الكرامة لا تُصان إلا بالقوة
الصمود //مقالات // بشير الصانع
أيها المسلمون، إن اللهَ سُبحانَه قد أنذر عبادَه وكشف لهم حقيقةَ أعدائهم، وأوضح لهم طبيعةَ الحقد الذي يملأ قلوبَ اليهود؛ فلا يطيقون أن ينزل على هذه الأُمَّــة خير من ربها، ولا أن ترى عزة أَو رفعة.
وقد أخبرنا القرآن أن أشد الناس عداوة للمؤمنين هم اليهود وَالمشركون، وأن هذه العداوة لا يزيلها عهد ولا تمحوها اتّفاقيات، فهي متجذرة في أعماقهم، تتخفى حينًا خلف الشعارات البراقة، ثم تظهر بوضوح كلما وجدوا فرصة للغدر؛ فلا يراعون عهدًا ولا يحفظون ذمة ولا يصونون دمًا. وَإذَا لقوا المؤمنين تظاهروا بالمودة، وَإذَا خلوا امتلأت قلوبهم غيظًا وحقدًا حتى كادوا أن يعضوا أصابعهم من شدة ما يحملونه من حنق.
ومن رحمة الله أنه لم يترك هذه الأُمَّــة عزلاء، بل أمرها أن تستعد وأن تمتلك القوة، وأن تجعل من سلاحها درعًا يحميها وسيفًا يرهب عدوها، فقال جل شأنه: {وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ}. إن الإعداد ليس ترفًا ولا خيارًا ثانويًّا، بل هو واجب شرعي وضرورة وجودية، فمن ترك سلاحه تخلى عن كرامته، ومن تنازل عن قوته قدم نفسه لقهر الأعداء. والقرآن لم يكتف بالأمر بالإعداد بل حذر كذلك من الغفلة والتفريط؛ إذ إن الكافرين يتمنون أن نغفل عن سلاحنا وأن نهمل قوتنا ليهجموا علينا هجمة واحدة تحسم المعركة لصالحهم.
إنهم لا يريدون لهذه الأُمَّــة أن تكون قوية أَو مستقلة أَو عزيزة، بل يريدونها أُمَّـة ضعيفة ذليلة، لا تملك قرارها ولا تحمي سيادتها، أُمَّـة مطواعة لإملاءاتهم وتابعة لمصالحهم. والأمة التي ترضى لنفسها أن تتخلى عن سلاحها لا تنتظر إلا الضربات والهوان. فهل يستطيع أحد أن يأمر أمريكا أَو (إسرائيل) أن تتخلى عن ترسانتها العسكرية؟ أبدًا؛ لأَنَّ الردَّ سيكونُ بالرفضِ أَو الاستهزاء أَو حتى الحرب. فلماذا إذن يطالبون الأُمَّــة الإسلامية وحدها بترك سلاحها؟ إن هذا الطلب ليس إلا فخًا ومقدمة لذل دائم وهزيمة مُستمرّة.
إن السلاح ليس مُجَـرّد آلة للقتال، بل هو رمز للكرامة وعنوان للعزة، والتفريط فيه تفريط في الدين والعرض والأرض. لذلك كان لزامًا على الأُمَّــة أن تمتلك سلاحها بيديها، وأن تحقّق الاكتفاء الذاتي في صناعته، فلا تكون أسيرة لأسواق الأعداء ولا رهينة لمصانع الغرب. عليها أن تجتهد في تطوير خبراتها وتجاربها حتى تصل إلى مراحل متقدمة تستطيع بها مواجهة أحدث الأسلحة وأقوى الجيوش. فالعدوّ يعمل ليلَ نهارَ، ويخطط بلا توقف، ويسابق الزمن ليتفوق، فهل يجوز لنا أن نغفل أَو نتهاون؟
ولا يكفي أن نعتمد على الجيوش الرسمية وحدها، بل لا بد أن تكون الأُمَّــة كلها مستعدة، رجالها ونساؤها، كبارها وشبابها، كلهم يتعلمون استخدام السلاح والدفاع عن أنفسهم، ليصبح الشعب كله جيشًا، والجيش شعبًا. فالأمة القوية هي التي تبني قدراتها بيدها، وتحمي استقلالها، ولا تسمح أن تكون لقمة سائغة يلتهمها العدوّ متى شاء.
إن الكرامة لا تُعطى صدقة، ولا تُمنح منة، بل تُنتزع انتزاعًا بالقوة والإعداد، والسلام الحقيقي لا يُصان بالضعف ولا يتحقّق بالاستسلام، وإنما يُحفظ بالقوة ويُبنى بالردع. ومن أراد أن يعيش آمنًا كريمًا فعليه أن يحمل السلاح، وأن يظل مستعدًا، وأن يجعل من شعبه وأمته سورًا منيعًا لا يقتحم.
هذه هي الحقيقة التي لا بد أن تعيها الأُمَّــة، فإن استيقظت وتمسكت بأمر الله فلن تُذل ولن تُهان ولن يفرض عليها أحد إرادته. أما إذَا رضيت بالغفلة وألقت سلاحها جانبًا وسلمت أمرها للأعداء، فقد خسرت العزة في الدنيا قبل أن تُسأل عنها يوم القيامة.