الصمود حتى النصر

الرسالة الإلهية امتداد لملك الله وتجلٍّ لرحمته

الصمود| القول السديد |

الرسالة الإلهية من أهم ما يجب علينا أن نعيه تجاهها: أنها امتداد لملك الله، امتدادٌ لملك الله “سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى”، ولربوبيته وألوهيته، وهي أيضًا تجلٍ لحكمته ولرحمته، فالله “سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى” وقد خلق هذا الكون العظيم والعجيب والواسع بسمائه وأرضه، بما فيه على نحوٍ واسع، ثم خلق هذا الإنسان في هذا الوجود، ما كان ليترك هذا الإنسان في هذا الوجود يعبث على كيف ما يشاء ويريد، ويترك البشر فيما بينهم للتظالم والطغيان على بعضهم البعض، والتحرك في هذه الحياة بدون هدف ولا مسؤولية، وفي حالة من الضياع، وحالة رهيبة من التظالم، وحالة رهيبة من الفساد، وحالة رهيبة من سفك الدماء، ثم تنتهي المسألة هكذا بدون أي شيء، |لا|.

الله “سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى” هو الملك لهذا الوجود، وهو الرب للبشر، والرب للسموات والأرض، والرب للعالمين، وملك السماوات والأرض، وملك الناس، وملك هذا العالم بكله، وهو يدير شؤون هذا العالم، هو “جلَّ شأنه” لم يتنصل عن دوره عن مسؤولياته في هذا العالم فيترك خلقه ويترك مُلكه ويترك عالمه هذا بعد أن خلقه ونظمه وأدار شئونه على المستوى التكويني، فيتركه في بقية الأمور هكذا عبثًا. |لا|، مُلكه، رُبوبيته، أُلوهيته لهذا العالم وللبشر وللناس تقتضي أن يرعاهم أيضًا في كل شئونهم، وألَّا يتركهم عبثًا ومُهمَلين بدون هدف ولا نظام ولا مسؤوليات ولا ضوابط ولا التزامات… وهكذا؛ في حالة من الفوضى، هو منزهٌ عن ذلك “سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى”.

ولذلك- منذ أول وجود الإنسان في هذه الحياة- هو رعى هذا الوجود بهدايته وتعليماته، وجعل هذا الإنسان مسؤولًا أمام أمره ونهيه فيما يأمره الله وفيما ينهاه، على أساس مدى التزامه تجاه أمر الله وتجاه نهيه “سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى”، بدءًا مع أبينا آدم “عليه السلام” عندما خلقه الله “سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى” وعلَّمه مسؤولياته في هذه الحياة وكيف عمل معه في أول مخالفة، ثم بعد ذلك اجتباه ربه وتاب عليه وهدى، بعد ذلك وجَّه الله نداءَهُ، فقال “جلَّ شأنه”: {يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ  (35) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [الأعراف: 35-36].

ومسؤولية الإنسان هي مسؤولية كبيرة، وبالرغم من محدودية الوجود للإنسان كفرد، كإنسان، كشخص- مثلاً- في مدة العمر التي يعيشها كل إنسانٍ منا في هذه الحياة، إلا أن مدة الجزاء على هذه الفترة القصيرة التي يمضيها كلٌ منا على الأرض فترة أبدية، الجزاء أبدي وعظيم وكبير جدًّا، وسواءً في جانب الخير الذي هو الجنة، مع ما يقدمه الله في الدنيا على مستوى رحمته وعطائه لكل عباده، وما يرعى به عباده المتقين والصالحين في هذه الحياة، وما يُنزل من عقوبات عاجلة للمنحرفين عن نهجه وهديه، ولكن الجزاء الرئيسي، الجزاء الوافي، الجزاء الكبير هو في الآخرة، وهو جزاءٌ أبديٌ، وهو عظيم وكبير، على مستوى الجنة للذين أحسنوا، وعلى مستوى النار للذين أساءوا الجحيم- والعياذ بالله- وللأبد بلا انقطاع ولا نهاية، هذا يدل على أهمية مسؤولية هذا الإنسان؛ لأن هذه الفترة المحدودة التي يمضيها الإنسان في هذا الوجود، ومنذ مرحلة التكليف التي يبلغ فيها الرشد والنضج النفسي والعقلي، التي بها يصير مسؤولًا أمام الله “سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى” في توجيهات الله وفي تعليماته، إلى أن يتوفاه الله “سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى” من هذه الحياة، مدة تتفاوت بالنسبة للبشر، أعمارهم تتفاوت، ولكن يقابلها حياةٌ أبدية، هي جزاءٌ على هذا الوجود المؤقت والمحدود.

مسؤولية الإنسان إذاً مسؤولية كبيرة عبّر عنها القرآن الكريم وصورها لنا في تصويرٍ عظيم حينما قال الله “سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى”: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} [الأحزاب: 72].

فمسؤولية هذا الإنسان مسؤولية كبيرة، وعليه أن يلتفت إلى حكمة وجوده وعلة وجوده في هذه الحياة، وأن هذه الحياة ميدان مسؤوليةٍ واختبار الله “جلَّ شأنه” قال: {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً}[الكهف: الآية7]، ما خُوِلَ فيه هذا الإنسان، وما مُكنت فيه البشرية في هذا العالم وفي هذه الأرض؛ إنما هو بناءً على مسؤولية وليس عبثًا، بناءً على هذه المسؤولية، إذا أخل الإنسان بهذه المسؤولية يُجازى.

 

السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي

المحاضرة الثانية عن المولد النبوي  8 ربيع الأول 1439هـ 26 نوفمبر 2017م