خارطة “التخاذل الإسلامي” تتسع وسط تصاعد عربدة الكيان الإسرائيلي
الصمود||
لم تعد كثير من الأنظمة العربية تبذل جهدا للتظاهر ولو بقليل من الكرامة على الأقل لإرضاء شعوبها أمام الإملاءات الأمريكية الإسرائيلية، وفي ظل اتساع خارطة التنازلات تتسع الأسئلة: متى حذفت الأنظمة العربية المصطلحات الخاصة بالعزة والكرامة من قواميسها واستبدلت بها مصطلحات الذل والخنوع؟
ومن لبنان إلى مصر مرورا بالسعودية والأردن، نجد الخارطة العربية ملوثة بالتبعية المكشوفة للتوجهات الأمريكية، بما يصب في خانة مصالح العدو الإسرائيلي على حساب مصالح وكرامة الشعوب العربية.
ويوماً بعد آخر، يقف المواطن -على امتداد الخارطة العربية- مصابا بالذهول من حجم التنازلات والخضوع الذي تبديه الأنظمة العربية تجاه المخططات الأمريكية ـ الإسرائيلية، وما إذا كان هناك بديل يمكن أن يعوض العرب على كرامتهم التي تسرف الأنظمة في إهدارها إرضاءً للقوى الصهيونية بقيادة الولايات المتحدة والاحتلال الإسرائيلي؟
وفي ظل تنامي التساؤلات المصيرية لدى المواطن العربي، حول أسباب تخاذل الأنظمة العربية وعدم قيامها باتخاذ موقف حازم يلبي طموحات الشعوب في مواجهة العنجهية الأمريكية الإسرائيلية، نجد القوى الصهيونية تصعد من إجرامها في حق الدول العربية، وفي الوقت الذي دعت خلاله الأنظمة العربية إلى نزع سلاح المقاومة في غزة خلال مؤتمر “حل الدولتين”، بادر “رئيس وزراء الكيان الصهيوني” بنيامين نتنياهو، الأربعاء الماضي، إلى الإعلان صراحةً أن مهمته تكمن في إقامة ما أسماها “إسرائيل الكبرى” من النيل إلى الفرات على أراضي مصر والأردن ولبنان وسوريا والعراق، في حين يتعامل العدو الإسرائيلي مع مسألة السيطرة على الضفة الغربية بكونها لديه من نافلة القول ولم تعد تحتاج إلى نقاشات، رغم كل الخضوع والطاعة والخدمات التي تقدمها السلطة الفلسطينية بقيادة محمود عباس للعدو الإسرائيلي.
على أن المشهد خارج فلسطين المحتلة لا يدعو إلى التفاؤل، فبمجرد سيطرة الجماعات المسلحة على الحكم في سوريا، سارع الجولاني إلى الإعلان أنه لن يحارب “إسرائيل”، في المقابل سارعت “إسرائيل” إلى احتلال كامل مرتفعات الجولان، واجتياح جنوب سوريا وقصف المقدرات الحيوية والعسكرية السورية، دون أن يتمكن أحد من انتزاع تصريح واحد من حكومة سوريا الجديدة يشير إلى إمكانية تغيير موقفها والتوجه لمجابهة العربدة الصهيونية.
في بيروت تسعى الولايات المتحدة إلى تقديم الاعتذار للكيان الصهيوني، عبر دفع الحكومة اللبنانية إلى انتزاع كل ما يحفظ قوة لبنان وسيادته في التصدي للعدو الإسرائيلي، والتعامل مع المقاومة اللبنانية على أنها “عيب يجب أن تتوب عنه لبنان”.
وبلا أي اعتبارات، عملت الحكومة اللبنانية على تبني مواقف واشنطن العدائية تجاه المقاومة اللبنانية، دون تقديم أي ضمانات أمريكية لحفظ سيادة لبنان من أي عمل عدائي قد تقدم عليه “إسرائيل”.
وبدلا من أن يذهب لبنان إلى مناقشة كيفية تعزيز قدراته العسكرية والدفاعية، لمواجهة خيارات التحدي التي تفرضها الولايات المتحدة و”إسرائيل” على المنطقة، اتخذت الأوضاع في لبنان مسارا معاكسا يطلب من اللبنانيين أن يكونوا شعباً أعزل في زمن جرائم الإبادة الجماعية التي يمارسها العدو الإسرائيلي، وهي جرائم لا يستطيع أحد الادعاء أنها ستقتصر على أهل غزة، في ظل النظرة العدائية التي ينتهجها اليهود تجاه العرب، بشكل يشمل من يقدمون التنازلات قبل غيرهم، على غرار موقف العدو الإسرائيلي تجاه سلطة محمود عباس.
وعلى مسار خارطة انكسار الأنظمة العربية، يبدو أن هناك دولا كانت تنتظر موسم التساقط بفارغ الصبر، وعلى رأسها السعودية التي اتخذت مواقف عدائية غير مبررة تجاه الشعب الفلسطيني والمقاومة الفلسطينية، حيث تبدي الرياض حرصا لا يقل عن حرص العدو الإسرائيلي والأمريكي في تصفية المقاومة الفلسطينية وتسليم غزة والضفة على طبق من ذهب للعدو الإسرائيلي، ورغم أن الرياض تدعي الحرص على قيام الدولة الفلسطينية، إلا أن ذلك الادعاء لا يعدو كونه مناورة سياسية تحاول من خلالها الرياض القفز على الحقائق، فمن لا يمكنه وقف جرائم الإبادة الجماعية بحق أهل غزة، لا يمكنه الادعاء -بأي شكل من الأشكال- أنه يمتلك الضغط لإقامة دولة فلسطينية أعلن العدو بملئ شدقيه مرارا وتكرارا أنه يرفض إقامتها، بينما فُرضت مجريات الأحداث المتسارعة، والتي كان آخرها تصريحات نتنياهو، بحلم إقامة (إسرائيل الكبرى) والتي تشمل نصف مساحة السعودية، ليصبح التساؤل: هل تستطيع السعودية حماية نفسها من أطماع العدو الإسرائيلي؟ أم أنها ستختبئ وراء دعوات السلام الزائفة مع العدو الإسرائيلي?!
ويبدو أن حالة الضعف والاستسلام التي تتخذها أنظمة الحكم العربية، قد أثارت شهية العدو الإسرائيلي لابتلاع مساحات شاسعة من أرض العرب، ومخططات إنهاء المقاومة في غزة -التي تحدث بتواطؤ الأنظمة العربية- لن تنتظر طويلا قبل أن تبتلع المتواطئين العرب.
وأمام هذه التحديات التي تواجهها الدول العربية والإسلامية جراء الخطر الإسرائيلي المستفحل، اختارت تلك الحكومات مشاركة العدو الإسرائيلي جرائمه بحق الشعب الفلسطيني بدلاً من إعداد العدة للمواجهة المقبلة مع الخطر الداهم.
وفي ظل الحظر البحري الذي تفرضه القوات المسلحة اليمنية على الملاحة الإسرائيلية لجأت العديد من الدول العربية والإسلامية إلى امداد العدو الإسرائيلي بما يحتاجه من أسلحة ومؤونة في حربه العدوانية على قطاع غزة.
المواقع الملاحية لتتبع السفن عبر الأقمار الاصطناعية أظهرت عدد الرحلات التجارية بين الموانئ المحتلة من جهة والموانئ المصرية والتركية من جهة أخرى خلال الفترة من 1- 8 أغسطس الجاري والتي بلغت 92 رحلة.
تشير البيانات إلى أن عدد السفن التركية التي وصلت إلى موانئ العدو الإسرائيلي خلال الفترة 1- 8 أغسطس الجاري بلغت 11 سفينة، في حين غادرت 21 سفينة الموانئ المحتلة باتجاه الموانئ التركية.
وخلال نفس الفترة وصلت 23 سفينة إلى الموانئ المحتلة قادمة من الموانئ المصرية، بينما غادرت 37 سفينة أخرى الموانئ المحتلة باتجاه الموانئ المصرية.
وبحسب المواقع الملاحية فقد بلغ إجمالي الرحلات التجارية بين الموانئ المحتلة من جهة والموانئ المصرية والتركية والسعودية والأردنية من جهة أخرى منذ بداية “طوفان الأقصى” وحتى اليوم 2264 رحلة.
وأشارت البيانات الملاحية إلى أن عدد الرحلات التجارية بين الموانئ المصرية والموانئ المحتلة منذ بداية “طوفان الأقصى” إلى اليوم بلغت 1475 رحلة، أغلبها إلى ميناء أسدود المحتل بمعدل 923 رحلة، يليه ميناء حيفا المحتل بمعدل 550 رحلة، حيث تحتل مصر المرتبة الأولى من بين الدول الأربع في تعاملها مع الكيان الصهيوني.
فيما بلغ إجمالي الرحلات التجارية بين الموانئ التركية والموانئ المحتلة خلال نفس الفترة 770 رحلة أغلبها إلى ميناء حيفا المحتل بمعدل 460 رحلة، يليه ميناء أسدود المحتل بمعدل 282 رحلة، حيث حلت تركيا في المرتبة الثانية في تعاملها مع الكيان الصهيوني، وتليها السعودية التي بلغ إجمالي الرحلات بين موانئها والموانئ المحتلة 10 رحلات أغلبها إلى ميناء أم الرشراش “إيلات” بمعدل خمس رحلات، يليه ميناء أسدود بمعدل ثلاث، وجاءت الأردن في آخر القائمة بمعدل تسع رحلات منها أربع إلى ميناء أم الرشراش، وأربع أخرى إلى أسدود، ورحلة إلى حيفا.
وتشير المواقع الملاحية إلى أن عدد رحلات الشحن بين الموانئ التركية والموانئ المحتلة منذ بداية العام الجاري 2025م بلغت 406، في حين بلغت الرحلات بين الموانئ المحتلة والموانئ المصرية 721، وخمس رحلات مع الموانئ السعودية، بالإضافة إلى رحلتين مع الموانئ الأردنية.
وتشير البيانات الملاحية إلى استمرار الحركة التجارية بين كيان العدو الإسرائيلي وكلٍّ من مصر وتركيا بشكل كبير جداً، حيث تتصدر مصر المرتبة الأولى في تبادلها التجاري مع كيان العدو الإسرائيلي، بالإضافة إلى تركيا، والسعودية، والأردن بدرجة أقل.
وتتمثل صادرات كيان العدو الإسرائيلي إلى تركيا في المعدات الإلكترونية، والاتصالات خصوصاً تلك التي تعتمد على التكنولوجيا المتقدمة، والآلات والمعدات الصناعية خاصة المستخدمة في الصناعات الثقيلة والبناء، والأدوية والمستحضرات الصيدلانية، وبعض المنتجات الكيماوية الصناعية مثل المبيدات والأسمدة، وكذا بعض الأسلحة والمعدات العسكرية، مثل تقنيات مستخدمة في أنظمة الرصد، والمراقبة، بالإضافة إلى الطائرات المسيرة.
كما تستورد تركيا الغاز الطبيعي من كيان العدو الإسرائيلي بشكل غير مباشر عبر مصر.
وتشمل العلاقات التجارية بين الجانبين أيضاً مجالات متعددة مثل السياحة، والاستثمارات المباشرة وغيرها.
في حين تشمل واردات العدو الإسرائيلي من تركيا المركبات، وبعض الأجهزة الكهربائية، والحديد والفولاذ، والمعادن الثمينة مثل الذهب وغيرها، والنفط الخام والمشتقات النفطية، والبتروكيماويات، والملابس، والأقمشة وغيرها من المحبوكات، ومواد البناء مثل الحجر والإسمنت وغيرها، وزيوت نباتية والدهون الزراعية والزجاج، والورق.
أما صادرات العدو الإسرائيلي إلى مصر فتشمل المعدات الإلكترونية عالية التقنية، مثل الشرائح الإلكترونية، والمعالجات وغيرها، والأجهزة الطبية المتقدمة مثل معدات التصوير الطبي، وغيرها، بالإضافة إلى الأدوية، والمستحضرات الصيدلانية، وآلات التصنيع الثقيلة، ومعدات معالجة المياه مثل محطات تحلية المياه، والمنتجات الكيماوية الصناعية المخصصة للزراعة مثل المبيدات والأسمدة، وكذا التكنولوجيا الحديثة مثل برمجيات الأمن السيبراني، والبرمجيات الطبية، ومعدات الطاقة المتجددة، ومعدات توربينات الرياح، وغيرها.
في المقابل تتحرك آلاف الحاويات من مصر إلى كيان العدو الإسرائيلي، حيث تشمل واردات العدو من مصر الخضار والفواكه، بالإضافة إلى معلباتها من العصائر وغيرها، والتي تحتل المرتبة الأولى من حيث المواد التي يستوردها كيان العدو الإسرائيلي من مصر، كما تشمل الواردات الأملاح، والإسمنت وغيرها من مواد البناء، وبعض المواد الكيميائية.
نقلاً عن موقع أنصار الله