من هيروشيما إلى غزة: عجلة القمع تدور.. واليمن يصنع المقاومة
الصمود//مقالات// فهد شاكر أبوراس
طائرات الحضارة الغربية المدعومة بالآلة العسكرية الأمريكية والإسرائيلية، تعيد إنتاج فصول هيروشيما ونجازاكي الدامية على أرض غزة بصيغ عصرية مروعة بعد ثمانية عقود، وكأن التاريخ يكرر جراحه بأيد جديدة.
أبناء الحداثة المزعومة يقتلون الأطفال في أحضان أمهاتهم بقسوة لا تفرق بين براءة الرضيع وحضن الأم، مستخدمين ترسانة من القنابل والصواريخ إلى جانب سلاح التجويع الممنهج.
وفي هذا المشهد الكابوسي، يتحول رغيف الخبز الذي كان رمزاً للحياة اليومية البسيطة في غزة، إلى أداة للقهر ووسيلة لتحطيم كرامة الإنسان وكسر إرادته؛ فحبة القمح التي تمنع، واللقمة التي تحجب، صارت أسلحة خفية في حرب إخضاع تهدف إلى إجبار أهل الأرض الأصليين على خيارين مرَّين: “الرحيل القسري عن ديارهم” أو “الموت البطيء جوعاً وعطشاً”.
عجلة التاريخ المظلمة تدور بلا رحمة، وذكرى هيروشيما تطل من جديد لتذكرنا بأن اليابان كانت على أعتاب الاستسلام قبل القصف النووي الأمريكي، ولكن القيادة الأمريكية آنذاك اختارت الخاتمة الذرية لترسيخ هيمنتها في عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية، وكأنها تعلن للعالم عن قدرتها المطلقة على تقرير مصائر الشعوب.
وفي مفارقة تاريخية صارخة، تستثمر الصهيونية اليوم تهمة معاداة السامية كسلاح فتاك يضاهي في تأثيره القنابل النووية بل قد يفوقها بقاء وانتشاراً، بينما غزة تسحق بين فكي كماشة لا ترحم: فمن جهة أمريكا وحلفاؤها يفرضونَ عليها حصار التجويع والتعطيش، ومن جهة أخرى تلتهمها الغدة السرطانية أرضاً وشعباً وتراثاً دون رادع عربي أو دولي يذكر، وكأن العالم بأسره قد أغمض عينيه عن التهام فلسطين بأكملها، تلك الأرض التي تضم أولى القبلتين وثالث الحرمين ومسرى النبي محمد “صلوات الله عليه وعلى آله” والأقصى المبارك.
وغزة تذبح على مرأى ومسمع من الجميع، فلا سكين العدو الصهيوني وحده ينغرس في جسدها، بل وخناجر الإخوة المتخاذلين تحيط بها من كل حدب؛ إنها تباد بلا شفقة في غياب مخز لوحدةِ الأمةِ، وانعدامٍ ليقظةِ الجيرانِ، وغيابٍ تامٍ لضمير الإنسانية.
وفي ظل هذه السوداوية القاتمة، يشع نور من على منبر اليمن؛ يجدد النداء الملحمي لأبناء الأمة بأن تستفيق من سباتها وقد تجلت أمامها المخاطر كالشمس في رابعة النهار، يصدح قائد الثورة في خطاباتِ الإيمانية بضرورة التمسك بتعاليم السماء، محذراً شعوب الأمة من كارثة الغفلة واللامبالاة التي تقود إلى الهلاك المحتم، داعياً إياهم لملاحظة طمع نتنياهوا الذي لا يشبع، وجشع ترامب وأمثاله الذي لا ينتهي، وكيف أن الكيان الصهيوني يفتح أحضانه لكل من يبيع ضميره بالتطبيع، في حين يطلب من الجميع تسليم أسلحتهم للجزار ومواردهم للنهاب.
أما رجال اليمن أرض الرسول وصنعاء النبي وحماة الرسالة المحمدية، فموقفهم ثابت كالجبال: لا رضوخ لمطالب العدو الصهيوني، ولا صمت عن مخططات العملاء، بل ثبات مع غزة في المحن، وجهاد مع الضفةِ في السراءِ والضراءِ، وتعبئة مستمرة مع القدس والأقصى، واستنفار دائم مع أبطال القسام والسرايا، بعزيمة لا تعرف الكلل، وجاهزية تقف سداً منيعاً أمام كل مغامرة استعمارية أو خيانة عميلة؛ لأن العاقبة – كما وعد الحق – للمتقين الصابرين، ولن ينتصر الباطل أبداً على من يقفون في وجه الظلم والعدوان.