الصمود حتى النصر

خناجر الخيانة في خاصرة غزة

الصمود||مقالات||بشير ربيع الصانع

لولا الدعمُ العربي للكيان الغاصب، لَمَا استطاع أن يحوّل غزة إلى مسرح مفتوح للإبادة الجماعية، ولا كانت سماؤها تمطر نارًا، وأرضها تفيض دمًا، وبيوتها تتهدّم فوق رؤوس ساكنيها وهم أحياء. لم تكن المجازر لتُرتكب بهذه الوحشية، ولا الأطفال لتُقتلع أرواحهم من أحضان أُمهاتهم، لولا أن أيديَ عربية شاركت بالصمت، وقلوبًا نطقت بالخيانة، وأنظمة وقّعت صكوكَ الذبح بمداد العار والعمالة.

ما أشد الوجع حين يكون الخنجر الذي يغرس في خاصرة الأُمَّــة قد صُنع بأيادٍ عربية، وما أقسى أن تتحوّل بعض العواصم التي كانت تُسمى عربية إلى ممرّات آمنة للطائرات الصهيونية وإلى مراكز رصد وتنسيق وتطبيع، تسهّل القتل، وتغسل وجه المجرم بماء المواقف المخزية.

غزة اليوم لا تواجه الكيان وحده، بل تواجه تحالفًا خفيًّا من أنظمة لم تجد في نصرة الدين والإنسانية مصلحة، لكنها وجدت في الركوع للعدو سبيلًا للبقاء. في كُـلّ صاروخ يسقط على غزة، هناك من وقّع عليه من بعيد، من قدّم له الغطاء، ومن باركه باسم الواقعية السياسية أَو المصالح المشتركة.

لو أن العواصمَ العربية التي ادّعت يومًا نصرة فلسطين صدقت ما عاهدت عليه، لما بقي طفل في غزة ينام على صوت القنابل، ولما احتاجت الأُمهاتُ أن يدفنَّ أبناءَهن بأيديهن، ولما عجز العالم أن يُنقذ من تبقّى من أنفاس في مخيمات الموت والحصار.

إن ما يحدث في غزة ليس فقط نتيجة العدوان الصهيوني، بل هو نتيجة خِذلان عربي ممنهج، بدأت خيوطه بالتمزيق، ثم التواطؤ، ثم التبرير، حتى وصل إلى التعاون الصريح والتطبيع الوقح.

وحدَها الشعوب تبكي على غزة من قلوبها، أما الأنظمة فقد باعت دماء الأبرياء على طاولات السياسة، ووقعت على صفقات الدم دون أن يرف لها جفن. فهل بعد هذا يجرؤ أحد أن يتحدث عن شرف العروبة أَو عن الحميّة والدين؟

غزة لا تحتاج إلى بيانات الشجب، بل تحتاج إلى أن لا تُترك وحدَها في مجزرة القرن. تحتاج إلى أن لا تُخوَّن من إخوتها، أن لا يُغلق دونها باب ولا يُقفل دونها ميناء، ولا تُحاصر من البحر والبر والجو بقرارات عربية قبل أن تكون صهيونية.

فيا غزة، أنت تدفعين ثمن خيانة ملوك وأمراء، وثمن صمتٍ مصنوع في مصانع الخوف، وثمن خنوعٍ باعكِ في مزادات السياسة الرخيصة. ولكن التاريخ لن ينسى، والدم لن يُمحى، والحق وإن طُمس اليوم، سيعود يصرخ في وجه العالم، بأن غزة لم تُقتل فقط بأيدي الصهاينة، بل ذُبحت بخناجر أشقاء باعوا الدين والكرامة معًا.

فيا شعوب الأُمَّــة، لا تصمتوا. لقد آن أوان الغضب، آن أوان أن تقولوا كلمتكم في وجه الزيف والخِذلان، لا تدعوهم يلبسون ثوب العروبة وهم يطعنون فلسطين من الظهر.

انهضوا من صمتكم، واملؤوا الميادين غضبًا، واجعلوا من كُـلّ شارع منبرًا يهتف:

لا للتطبيع، لا للخيانة، لا لبيع القدس والأقصى.

ارفعوا أصواتكم في وجوههم: أنتم لا تمثلوننا. فلسطين قضيتنا، وغزة كرامتنا، والساكت عن الحق شيطان أخرس.

أما أنتم، يا من تواطأتم وبعتم وتجاهلتم صراخ الأطفال تحت الركام، فاعلموا أن وعد الله لا يُخلف:

{إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أنفسهِمْ، قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ؟ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأرض، قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا؟ فَأُولئك مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ، وَسَاءَتْ مَصِيرًا}

لقد جعل الله التخلّي عن نصرة المستضعفين جريمة لا تُغتفر، وإن لم يكن بوسعكم حمل السلاح، فلا أقل من أن تحملوا كلمة الحق، وترفضوا خيانة الحكّام، وتسقطوا شرعيتهم الزائفة.

إن الصمت اليوم جريمة، والتخاذل خيانة، فاختاروا موقعكم بصدق: إما أن تكونوا مع غزة، أَو تكونوا في صف من يذبحها.

وما بعد اليوم أعذار، ولا مجاملة في دين، ولا مهادنة في كرامة.

وغدًا سيُسأل كُـلّ من خذل عن دم طفلٍ في غزة، وعن صرخة أم فقدت أبناءَها، فماذا أعددتم للجواب؟