المجوَّعون بين “صوت” غربي و”صمت” عربي
الصمود||مقالات||شاهر أحمد عمير
في مشهدٍ يفيضُ بالتناقُض، بدأت بعضُ العواصم والشعوب الغربية تُراجِعُ مواقفَها من العدوان الإسرائيلي المتواصل على غزة، في وقت ظلّ فيه الصوت العربي الرسمي إما خافتًا أَو غائبًا بالكامل.
بات مألوفًا خلال الأشهر الأخيرة أن نسمعَ عن قرارات أُورُوبية تُدين الاحتلال، وتطالب بفرض عقوبات على المستوطنين، بل وتصل إلى تعليق اتّفاقيات أمنية وعسكرية مع (إسرائيل)، بينما تكتفي أغلب الأنظمة العربية ببيانات باهتة لا توازي حجم المأساة.
في خضم هذه المفارقة المؤلمة، يبرز سؤال جوهري: ما الذي يدفع بعض الدول الغربية إلى إعادة النظر في تحالفاتها مع (إسرائيل)، في حين تصرّ أنظمة عربية على الصمت وربما التواطؤ؟ هل أصبحت بعض عواصم الغرب أكثر إنصافًا من العواصم العربية، أم أن هناك صحوة سياسية تولد هناك، مقابل ارتهان عربي كامل لإرادَة الحلفاء الدوليين؟
ما يحدث في غزة ليس نزاعًا مسلّحًا بالمعنى التقليدي، بل هو حرب إبادة تُنفَّذ بأقسى أدوات الحصار والتجويع والقصف العشوائي. أكثر من مليوني فلسطيني باتوا محاصَرين وسط ركام المنازل وجثث الشهداء. هذه الفظائع دفعت شرائح واسعة من الشعوب الغربية إلى التحَرّك، فشهدنا مظاهرات حاشدة في باريس ولندن ومدريد، ومطالبات متصاعدة لحكوماتها بوقف دعمها لـ (إسرائيل). ورغم أن هذه التحَرّكات لا ترقى إلى حجم الجريمة، إلا أنها تمثّل تطورًا لافتًا في موقف دول تُعد من أوثق حلفاء الكيان الإسرائيلي.
في المقابل، يبدو المشهد العربي قاتمًا ومخزيًا. لم تصدر مواقف رسمية تتجاوز حدود التصريحات الإنشائية أَو الاجتماعات الطارئة عديمة التأثير. الدول المُطبِّعة تحرص على تفادي أي موقف قد يُغضب الاحتلال، أما الأُخرى، فتلجأ إلى ترديد عبارات من قبيل “القلق البالغ” و”الدعوة إلى التهدئة”، وكأن ما يجري ليس حربًا مفتوحة على شعب أعزل، بل مُجَـرّد أزمة دبلوماسية عابرة.
وفي ظل هذا التخاذل الرسمي، يبرز الموقف اليمني – قيادةً وشعبًا – كحالة استثنائية مشرّفة. رغم الحصار والعدوان المُستمرّ على اليمن منذ سنوات، لم يتراجع عن التزامه الأخلاقي والعملي تجاه فلسطين. فمنذ بداية العدوان الإسرائيلي على غزة، باشرت القوات المسلحة اليمنية بفرض حصار بحري فعلي على الكيان الصهيوني في البحر الأحمر، مستهدفة السفن المرتبطة بـ (إسرائيل) في باب المندب، ووجهت ضربات صاروخية وجوية بطائرات مسيّرة نحو أهداف إسرائيلية، لترسل رسالة واضحة: فلسطين ليست وحدها.
لم تأتِ هذه المواقف من باب الدعاية أَو الاستعراض، بل تنبع من قناعة راسخة بأن القضية الفلسطينية ليست مسألة خارجية، بل قضية وجود وهوية وكرامة. لقد أثبتت صنعاء أن المواقف الصادقة تُقاس بالفعل، لا بعدد المؤتمرات ولا بحدة الخطابات.
إن صمت الأنظمة العربية اليوم لا يعكس ضَعفًا سياسيًّا فحسب، بل يفضح تآكل انتمائها لقضايا الأُمَّــة. وبينما تتحَرّك بعض الحكومات الغربية استجابة لضغط شعوبها أَو بدافع مصلحي، تظل الشعوب العربية تتابع بأسى كيف تتنصل أنظمتها من مسؤولياتها، وتخذل شعبًا يواجه آلة قتل لا ترحم.
لقد آن الأوان لأن يُسمع الصوت العربي الحقيقي، لا من أفواه الحكومات، بل من ضمير الشعوب، ومن مواقف شجاعة كما تفعل اليمن. فالتاريخ لا ينسى من خذل المظلوم، ولا يغفر لمن اكتفى بالمشاهدة أمام شاشات تُعرض فيها مشاهد المجازر حيًّا. هذه لحظة فاصلة، واختبار صارخ للضمير العربي: إما أن نكون مع فلسطين بالفعل، أَو نُسجَّل في أرشيف النسيان والعار.