معاناة الفلسطينيين بين الصمت الدولي والتقاعس العربي..
الصمود||مقالات||شاهر أحمد عمير
في الوقت الذي تتساقط فيه القنابل على رؤوس الأطفال في غزة، وتتكدس الجثامين في المستشفيات المدمّـرة، ويحاصر الجوع والخوف ملايين الفلسطينيين، لا يزال المجتمع الدولي صامتًا، وكأن ما يجري ليس إبادة ممنهجة، بل مُجَـرّد “أحداث مؤسفة”. أما الأنظمة العربية، فبين من يلتزم الحياد المُخجل، ومن يكتفي ببيانات الشجب، ومن يقيم علاقات علنية مع الكيان الغاصب، يُترك الشعب الفلسطيني وحيدًا في معركة الكرامة.
ورغم ما تصدره القمم العربية والمؤتمرات الإقليمية من بيانات ختامية تؤكّـد “التضامن مع الشعب الفلسطيني وضرورة حمايته”، إلا أن الواقع الميداني لا يعكس أية خطوة عملية تُترجم هذا التضامن إلى فعل حقيقي. فما جدوى التضامن إن لم يكن هناك تحَرّك سياسي موحد في المحافل الدولية؟ وما معنى “الدعم” إن لم تُفتح المعابر لإدخَال المساعدات؟ بل ما قيمة البيان إذَا استمر التطبيع العلني مع الجلاد؟
منذ بداية العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة، سقط الآلاف بين شهيد وجريح، ودمّـرت البنية التحتية بشكل شبه كامل، وارتُكبت المجازر في المدارس والمستشفيات والمخيمات، دون أن يهتز ضمير العالم. لا لجان تحقيق دولية، ولا تحَرّكات أممية جادة، ولا حتى مقاطعة رمزية لكيان العدو. العالم يرى ويسمع، لكنه يختار أن يُغمض عينيه أمام دماء الفلسطينيين، لأن الجاني هذه المرة هو “إسرائيل”، حليفة الدول الكبرى وصنيعتها المدللة.
ولا يقف الألم عند حدود الصمت الدولي، بل يتضاعف حين نرى كيف توقفت في بعض الدول العربية حملات التبرع الشعبيّة التي كانت تمد غزة بأوكسجين الحياة. الجمعيات أُغلقت، الحسابات جُمّدت، والتبرع لفلسطين بات تهمة أَو شبهة. والسبب؟ أنظمة تخشى من أن يتحول الدعم الإنساني إلى وعي سياسي، أَو أن يفضح تضامن الشعوب نفاق حكوماتها.
وما يُؤلم أكثر، أن قضية فلسطين لم تعد تحتل الأولوية في الوجدان الرسمي العربي، رغم أنها لا تزال القضية المركزية في ضمير الشعوب. صارت الحكومات تتعامل مع فلسطين كعبء سياسي، بينما تسعى إلى إرضاء العدوّ تحت ذرائع “السلام” و”الاستقرار”، في وقت لم يعرف فيه الفلسطينيون يومًا من الأمن منذ أكثر من سبعة عقود.
لكن وسط هذا السواد، يبقى النور في مواقف بعض الدول الحرة، وفي صمود الشعب الفلسطيني، وفي أصوات الأحرار من أمتنا الذين لم يخنقهم الخوف، ولم تُغلق أفواههم فضائيات التطبيع.
فلسطين لا تحتاج عبارات مواساة، بل تحتاج وقفة عز، وموقفًا شجاعًا، ودعمًا حقيقيًّا.
وإذا كانت بعض الأنظمة قد اختارت أن تكون على الهامش، فإن الشعوب العربية والإسلامية مدعوة اليوم لأن تكون في صدارة المشهد.
فالمعركة ليست فقط على الأرض، بل على الوعي والضمير.