الصمود حتى النصر

معادلةُ الاستسلام مقابل السلام

الصمود//مقالات//عبدالمؤمن محمد جحاف

في مرحلة مفصلية من تاريخ الأُمَّــة العربية تُدفع الأنظمة إلى هاوية الخضوع تحت مسمى السلام بينما الحقيقة الجارحة أن ما يُفرض اليوم ليس سوى مشروع استسلام كامل تتخلى فيه الأنظمة عن آخر ما تبقى من الكرامة والسيادة وتُسلم فيه رقاب شعوبها لأعداء الأُمَّــة باسم الواقعية والشرعية الدولية.

الخطير في المشهد أن تلك الأنظمة تعرف تمامًا ما ينتظرها. لم تعد تغرها الوعود ولا تُخدع بالشعارات فهي باتت تدرك أن المشروع الصهيوني لا يقتصر على فلسطين وحدها بل يستهدف الهوية والسيادة والقرار السياسي لكل بلد عربي بدءًا من ضرب المفاهيم والقيم وُصُـولًا إلى تفكيك الدول وتحويلها إلى كيانات هشة تابعة للغرب وظيفتها الوحيدة حماية الكيان الإسرائيلي وتمويل مشاريعه.

أيضًا الأنظمة العربية ليست جاهلة بما يُدبَّر لها. تدرك أكثر من شعوبها أن الخطر الإسرائيلي لم يكن يومًا خطرًا بعيدًا بل هو الآن يقرع أبوابها بكل وقاحة بعد أن مزق جسد الأُمَّــة قطعةً قطعةً من فلسطين إلى العراق ومن لبنان إلى السودان ومن سوريا إلى اليمن. ومع هذه المعرفة فَــإنَّ ما يُصيب هذه الأنظمة من شللٍ في الإرادَة وعجزٍ في القرار يجعلها في موقفٍ هو الأخطر في تاريخها: السكوت المُطبق أمام الذبح البارد.

لكن رغم وضوح التهديد تعيش هذه الأنظمة حالة عجز وجودي. هي لا تستطيع المواجهة ولا تملك الجرأة على الرفض بل باتت عاجزة حتى عن الاعتراض الدبلوماسي الخجول. وهذا هو أخطر ما يمكن أن تبلغه الأنظمة: أن ترى الخطر قادمًا وتعرف أهدافه ومع ذلك تلتزم الصمت وترفع راية الاستسلام.

أما الشعوب فقد آن أوان المحاسبة الذاتية. لم يعد الصمت خيارًا ولا التفرج موقفًا. فإما أن تتحَرّك الأُمَّــة لتكفّر عن سنوات الغفلة والتقصير والانهزام الداخلي عبر الإعداد والجهاد والمقاومة أَو أنها ستُفاجأ بسيناريوهات الخراب تصل إلى عقر دارها كما وصلت إلى سوريا من قبل.

ما جرى في سوريا لم يكن استثناء بل هو نذير عام. وإن لم تنهض الأُمَّــة فَــإنَّ مصر ليست ببعيدة ولا المغرب ولا الجزائر ولا الخليج ولا كُـلّ بلدان المنطقة فالمشروع لا يتوقف والعدوّ لا يشبع.

الخيار اليوم بين جهادٍ يرد الكرامة أَو استسلام يجرّ العار والاحتلال. بين مواجهة حتمية أَو موت بطيء تحت أقدام العدوّ المتغطرس. ولعل في التاريخ ألف شاهد على أن من لا يدفع ثمن حريته اليوم سيدفع أضعافه غدًا من أرضه ودمه وهويته.