الصمود حتى النصر

صرخات الجنود المنهارين.. كيف دمّرت غزة أعصاب جيش العدو الإسرائيلي؟

الصمود||تقرير||

في قلب الظلام، خلف جدران الثكنات الصهيونية، تشتعل معارك لم تُرَ بسلاح ولا دبابة، بل في أعماق النفوس المهشمة، جنودٌ يعودون من غزة ليسوا كما ذهبوا، بل يحملون معهم جراحًا نفسيةً لا تُرى بالعين، وكوابيس تلاحقهم بلا رحمة.

غزة ليست مجرد ساحة حرب، بل هي محرقة للروح والعقل، حيث المقاومة لا تقتل فقط الأجساد، بل تحطم الأعصاب، تزرع الرعب في القلوب، وتفكك وحدة العدو من الداخل.

هنا، في تلك الغرف المغلقة، تتوالى صرخات الانهيار والهروب من واقع بات لا يُحتمل، معركة لا تُحسم بالأسلحة التقليدية، بل بالدمار النفسي الذي يُعصف بأكثر الجيوش ترسانةً وقوة.

حربٌ نفسية تدفع إلى الانتحار

منذ بداية عام 2025، كشفت صحيفة “هآرتس” أن 15 جنديًا صهيونيًا أقدموا على الانتحار خلال خدمتهم، بعد أن بلغ عدد المنتحرين عام 2024 نحو 21، والعدد مرشح للزيادة.

وفي أسبوعٍ واحد، وقعت ثلاث حالات انتحار لجنود خدموا في غزة، كان آخرهم من “لواء ناحال”، أطلق النار على نفسه داخل قاعدة عسكرية شمال الأراضي المحتلة.

هذه الأرقام لا تعكس حوادث فردية، بل تكشف عن أزمة نفسية متصاعدة داخل جيش العدو الصهيوني، يقف خلفها ما واجهه الجنود من تكتيكات ميدانية ونفسية أبدعتها المقاومة.

تكتيك المقاومة.. كسر الروح قبل الجسد

في كل شارع من شوارع غزة، تسطّر المقاومة مشاهد من الصمود والعمل المنظم، الأنفاق التي تظهر تحت أقدام العدو، العبوات التي تنفجر تحت آلياته المحصنة، القناصة الذين لا يُخطئون، والمجاهدون الذين يخرجون من بين الركام كالأشباح… كلها أدوات حرب تُصيب الروح قبل الجسد.

لقد نجحت المقاومة في تحويل غزة إلى كابوس نفسي دائم للجنود، حتى أن قادة صهاينة أقرّوا بأن “جنودنا يعودون من غزة محطمين، يعانون من الهلع، اضطرابات النوم، والكوابيس المتكررة”.

روايات الجنود.. كوابيس حيّة لا تموت

روايات ميدانية تداولها جنود العدو أنفسهم تكشف جانبًا مرعبًا من الحقيقة:

وحدة كاملة أُبيدت في كمين بحي الشجاعية، ولم يُعثر إلا على جثة متفحمة واحدة.

جنود سُحبوا من آلياتهم تحت نيران كثيفة وتمت تصفيتهم عن قرب.

صراخ هستيري عبر أجهزة اللاسلكي بعد كمائن شديدة في أزقة ضيّقة أُطلقت فيها قذائف مضادة للدروع من مسافة صفر.

جنود كتبوا وصاياهم قبل الدخول إلى غزة، مقتنعين أنهم بين طريقين: الموت أو الجنون.

جنود الاحتياط.. ضحايا الهزيمة النفسية

معظم المنتحرين من جنود الاحتياط، الذين استُدعوا فجأة دون إعداد نفسي، ليدخلوا غزة وهم يظنونها نزهة عسكرية، فوجدوا أنفسهم في مواجهة مقاتلين أشدّاء، لا يعرفون الخوف.

صحف عبرية نقلت عن عائلات جنود قولهم إن أبناءهم عادوا إلى منازلهم ورفضوا الكلام، أو حبسوا أنفسهم، قبل أن يُقدم بعضهم على الانتحار دون إنذار.

التفكك الداخلي في الكيان.. من الجبهة إلى الشارع

العمليات النوعية التي نفذتها المقاومة، خاصة في غزة، لم تُربك المؤسسة العسكرية فقط، بل زرعت القلق في أوساط المجتمع الصهيوني بكافة مستوياته.

فقد شهد الكيان حالة غير مسبوقة من الاستقطاب الداخلي، وتراجع ثقة الجمهور بالقيادة العسكرية والسياسية، وتصاعد الانتقادات في الإعلام العبري.

تُشير تقارير من مؤسسات بحثية عبرية إلى أن نسبة الثقة في القيادة العسكرية تراجعت إلى أقل من 40% في بعض استطلاعات الرأي خلال الأشهر الماضية، وسط مخاوف من تزايد عدد الجنود المصابين باضطرابات نفسية أو ما يسمى بـ(PTSD).

عائلات الجنود بالمحاسبة، ومظاهرات احتجاجية ضد استمرار الحرب والخسائر، وأزمات سياسية تتفاقم على خلفية الفشل الميداني والتكتيكي.

حرب بلا نهاية وقيادة منهارة

صحيفة “معاريف” العبرية نقلت عن المحلل العسكري آفي أشكينازي أن الحرب في غزة مستمرة منذ ما يقرب من عامين، وأسفرت عن مقتل 893 جنديًا وجندية في هذه “الحرب التي لا نهاية لها ولا هدف معلن لها”.

وأشار أشكينازي إلى أن جيش العدو الإسرائيلي غارق في وحل غزة، وأن القيادة العسكرية تخشى مواجهة القيادة السياسية وإبلاغها بالحقيقة المرة، مما يزيد من حالة الإرباك والقلق داخل المؤسسة العسكرية.

هذه التصريحات تكشف حجم الأزمة العميقة التي يعاني منها العدو على جميع الأصعدة، العسكرية والنفسية والسياسية، وتؤكد أن غزة ليست فقط ميدان معركة، بل معركة إرادة ووعي تنهي فيه المقاومة الكيان من الداخل.

حربٌ بلا طائرات ولا دبابات

لم تعد المقاومة الفلسطينية تعتمد فقط على الأسلحة التقليدية كالرشاشات والقذائف، بل أبدعت في تحويل غزة إلى ساحة حرب نفسية بالدرجة الأولى، العمليات التكتيكية المحكمة، مثل الكمائن في الأنفاق، هجمات القناصة، والتسلل بين الركام، خلخلت ثقة جنود العدو وعمّقت الرعب لديهم.

وبحسب تقارير صهيونية، ارتفع عدد حالات الإصابة باضطرابات ما بعد الصدمة PTSD بين الجنود العائدين من غزة إلى أكثر من 30%، وهو رقم غير مسبوق في تاريخ الجيش، وفي الوقت نفسه، أظهرت استطلاعات أن 70% من الجنود الذين شاركوا في القتال يعانون من أعراض نفسية حادة كالهلع، الأرق، وكوابيس مستمرة.

رغم فتح المؤسسة العسكرية مئات خطوط الدعم النفسي وتكليفها أعدادًا كبيرة من الأخصائيين النفسيين، إلا أن غالبية الجنود يرفضون اللجوء لهذه الخدمات، مشيرين إلى شعورهم بالوصمة والضعف، أو رغبتهم في الهروب من الواقع المرير الذي يعيشونه.

غزة تُفكك العدو من الداخل

في وقت يراهن العدو على التفوق العسكري والتكنولوجيا المتقدمة، تثبت غزة أن الإيمان والصبر والعزيمة القتالية هي أقوى من كل الطائرات والدبابات.

نجاحات المقاومة لا تُقاس فقط بعدد القتلى أو المعدات المدمرة، بل بتحطيم معنويات العدو، وإحداث شرخ نفسي عميق في صفوفه، فكل جندي يعود من غزة يحمل جحيمًا نفسيًا، يصعب شفاءه، وصورًا لا تمحى من الخوف والهلع.

هذه الهزائم الصامتة، التي لا تظهر على ميدان المعركة، لكنها تحسم المواجهة ببطء وثبات، وتعيد صياغة قواعد الاشتباك لصالح المقاومة، التي تكسر ليس فقط الجسد، بل الروح.