مصائد الموت.. مُت جوعا أو بالرصاص
الصمود||تقرير||وديع العبسي
في العمليات الأولى التي استهدف فيها العدو طوابير المجوّعين من الفلسطينيين، مرتكبا أبشع صور الإجرام في حق مدنيين لا يقوون حتى على الوقوف بسبب الجوع، كانت حجته أن بين المنتظرين للمساعدات عناصر مسلحة كانت تَهِم بفعلٍ ما ضد قواته، بعدها تكرر المشهد ولم يعد يعطي أي تبرير، إذ تبين للعالم أن هذه السياسة من الإعدامات تأتي في إطار منهجية الإبادة الجماعية المستمرة ضد الفلسطينيين، إزاء ذلك تبلّد العالم، ولم يغادر الفعل الدولي مربع الشعارات إلى مستوى الفعل، وفي المقابل لم يعد العدو يكترث لتبرير استمرار “مصائد الموت”.
المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان عبّر عن ذلك بالقول إنّه مع تكرار الجرائم المشابهة، وعدم وجود أي ردود فعل دولية مسؤولة، بات “جيش” العدو الإسرائيلي يتجاهل -في معظم الحالات- إصدار بيانات لتبرير جرائمه ضد المدنيين، لأنّه لا يشعر بضغط الملاحقة أو المساءلة أو حتى الاستفسار والاحتجاج من الدول والمنظمات المعنية.
كان واضحا أن مواقف المجتمع الدولي -بما فيها من إدانة لإجرام الكيان الصهيوني وتأكيد لحق الفلسطينيين في الحصول على الغذاء- لم تكن أكثر من حفظ ماء الوجه، فهم من يصدّرون أنفسهم دعاة للارتقاء بالقيم الإنسانية، فهم من يجلدون العالم بهذه الشعارات ويلحقون التُهَم بالآخرين، بدعاوى انتهاك حقوق الإنسان وللقوانين والأعراف الدولية. لكنهم لا يفعلون شيئا دفاعا عن هذه القيم وهي تُسفح على الأراضي الفلسطينية المحتلة على يد الغاصبين الصهاينة، وفي مواقف تأبى حتى النخوة الإنسانية أن تكون، وهي دعوة الناس لاستلام المساعدات ثم قتلهم بدم بارد.
الأمم المتحدة -في آخر تقليعاتها- دعت إلى إجراء تحقيق حول قتل طالبي المساعدات الغذائية ولم تزد، ودائما كانت بياناتها، عبارة عن أماني ودعوات، وكأنه ما عاد لها من عمل إلا إصدار البيانات، مع أنَّ بإمكانها أنْ تجعل من مطالبها فعلا ضاغطا في اتجاه إنهاء المأساة وتمكين الفلسطينيين من الغذاء والماء.
نهاية أبريل الماضي قال غوتيريش إن: “إسرائيل” منعت دخول الغذاء والوقود والأدوية والإمدادات التجارية إلى غزة منذ نحو شهرين. وقال غوتيريش أيضا: منع “إسرائيل” دخول الغذاء والوقود والأدوية إلى غزة يحرم أكثر من مليوني شخص من الإغاثة المنقذة للحياة. يضيف غوتيريش: المساعدات غير قابلة للتفاوض، وعلى “إسرائيل” حماية المدنيين والموافقة على برامج الإغاثة، وتسهيل تنفيذها.
بعدها أيضا قال الأمين العام للأمم المتحدة الكثير حول ذات الموضوع، ودعا إلى تحقيق بخصوص ما صار يُعرف بـ”مصائد الموت”، ثم.. لا شيء. وقبل أيام، تصدرت أمريكا كعادتها بكل صلافةٍ مشهدَ المدافعين عن الكيان، وهذه المرة ضد المنظمة الأممية بذاتها، لتقر جملة من العقوبات ضد مقررة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان “فرانشيسكا ألبانيزي” لتوثيقها الإبادة الإسرائيلية للفلسطينيين بقطاع غزة في عدة تقارير، وكشفها تفاصيل مأساوية يعيشها الفلسطينيون في غزة بسبب القصف والتجويع، ومطالبتها بملاحقة الجهات والشخصيات الضالعة في هذه الحرب. وهو ما اعتبره وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو “جهودا غير شرعية ومخزية “. الأمم المتحدة أيضا لم تفعل شيئا، وإنما نددت بالعقوبات الأمريكية.
يقول المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك: العقوبات الأمريكية على “ألبانيزي” غير مقبولة، وتشكل سابقة خطيرة. ويؤكد دوجاريك أن ألبانيزي تعمل كمقررة مستقلة لحقوق الإنسان، وتقدم تقاريرها لمجلس حقوق الإنسان الأممي. ويشدد على أن فرض عقوبات أحادية على خبراء أو مسؤولين أمميين يتعارض مع استقلالية عملهم، ومرفوض تمامًا.
ورأت حركة المقاومة الإسلامية حماس إلى أن العقوبات على المقررة الأممية المعنية بحقوق الإنسان في فلسطين فرانشيسكا ألبانيزي “تعبير صارخ عن انحياز الإدارة الأمريكية الفج لجرائم الحرب الإسرائيلية، واستهتارها بالمؤسسات الأممية وممثليها، وما يصدر عنها من تقارير توثق الكارثة الإنسانية التي صنعها الاحتلال في قطاع غزة”.
فرانشيسكا ألبانيز وصفت العقوبات الأمريكية ضدها بـ”السابقة الخطيرة”، واعتبرتها “مصمَمَة لإضعاف مهمتها”، وقالت “سأستمر في فعل ما يتعين عليّ فعله، حتى وإن شكّل ذلك تحدياً”. وعرّت ماريانا كاتزاروفا، المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان في روسيا سلبية الأمم المتحدة بأن قالت لـ”رويترز”: “هذا أمر غير مقبول على الإطلاق، ويفتح الباب أمام أي حكومة أخرى لفعل الشيء نفسه. إنه هجوم على منظومة الأمم المتحدة عموماً. يجب على الدول الأعضاء أن تنهض للتنديد بذلك”.
وكانت المقررة الخاصة للأمم المتحدة فرانشيسكا ألبانيز فضحت في تقرير تورط الشركات العالمية في “اقتصاد الإبادة” بفلسطين، والذي اعتبره خبراء ومحللون سياسيون “نقطة تحول مفصلية في كشف حجم الدعم المؤسسي للعدوان الإسرائيلي”. وكان التقرير تضمن بأن شركات أسلحة عالمية وفرت لـ”إسرائيل” 35 ألف طن من المتفجرات ألقتها على القطاع، وهي تعادل 6 أضعاف القوة التدميرية للقنبلة النووية التي ألقيت على مدينة هيروشيما اليابانية.” مؤكدا أن “أكثر من 60 شركة عالمية كبرى تتورط في دعم “اقتصاد الإبادة الجماعية” ضد الشعب الفلسطيني.
فيما شملت قائمة الشركات المتواطئة -وفق التقرير الذي تم تداوله على نطاق واسع- “عمالقة التكنولوجيا مثل جوجل ومايكروسوفت وأمازون، التي تشارك في عمليات التجسس، وتزود “إسرائيل” بالبرمجيات اللازمة للمراقبة، إضافة إلى شركات الأسلحة مثل لوكهيد التي تقدم القنابل والقاذفات، وشركات الآليات الثقيلة مثل كاتربيلر وهيونداي التي توفر الجرافات المستخدمة في تدمير البيوت الفلسطينية و”ليوناردو”.
أبدت أمريكا الضيق الشديد من التقرير، والكيان رفضه وادعى أنه “تلويث للحقائق وإساءة لاختصاص المقررة الأممية، وزعم أن التقرير لا يستند إلى أسس قانونية.” و”معادٍ للسامية” حد زعمه. أما البعثة الأمريكية لدى الأمم المتحدة فقد وصفت اتهامات ألبانيز للكيان الصهيوني بالمزاعم الكاذبة والمسيئة، ونقلت حسب المصادر طلب واشنطن بأن يدين الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أنشطة السيدة ألبانيز بشكل مباشر، وأن يدعو كذلك إلى إقالتها من منصب المقررة الخاصة.
يؤكد السيد القائد أن “مصائد الموت” هي هندسة أمريكية إسرائيلية للتحكم بالمساعدات الإنسانية، ومن يأتي إليها فهو مهدد بالقتل. ولفت إلى أن الكثير من الناس في غزة يضطرون للذهاب بهدف الحصول على المساعدات، لكنهم يعيشون حالة الخطر بالاستهداف والإبادة أثناء استلام المساعدات. ويضيف أن العدو الإسرائيلي يقتل البعض أثناء ذهابهم من أجل تلك المساعدات، والبعض أثناء التجمع، والبعض أثناء الاستلام، والبعض أثناء العودة.
وقال السيد: العدو الإسرائيلي يراقب من عادوا بأكياس الطحين، وما إن يصلوا إلى أهليهم وأسرهم حتى يستهدفهم. وأكد أن مسألة مصيدة الموت ومجازر المساعدات هي من أبشع أنواع الجرائم التي يرتكبها العدو الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني.
وأكد أن من العار على المؤسسات الدولية وعلى الدول والبلدان والأنظمة والحكومات أن تسكت تجاه جرائم العدو بحق منتظري المساعدات، ولا تتحرك لاتخاذ إجراءات عملية ضد العدو الإسرائيلي. موضحا أن العدو الإسرائيلي يتشجع للاستمرار في أبشع الجرائم، لأن الكثير من الأنظمة والحكام لم يصل إلى مستوى اتخاذ الإجراءات العادية.
يؤكد برنامج الأغذية العالمي أن “معظم الأسر في قطاع غزة بالكاد تتناول وجبة واحدة يوميا، جراء الحصار الإسرائيلي المشدد المفروض على القطاع منذ عدة أشهر.” وأن “واحدا من كل ثلاثة أشخاص لا يحصل على الطعام لعدة أيام”، ويُقر نائب المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي بأن ما تعيشه غزة لم يحدث من قبل: “لم نر مثيلا للوضع الذي نشهده حاليا في قطاع غزة من قبل”.
فيما أكد المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان أن تقاعس الدول الفاعلة عن اتخاذ إجراءات رادعة، وعجزها عن ممارسة أي ضغط حقيقي لوقف جرائم “إسرائيل”، بما في ذلك استمرار عمل آليتها اللاإنسانية في توزيع المساعدات، وفّر غطاءً سياسيًا وفعليًا لتماديها في استخدام هذه المراكز كساحات للقتل الجماعي، وشجع على جرائم قتل مماثلة في أماكن أخرى، وتنفيذ ممارسات تنتهك أبسط حقوق الفلسطينيين، وتهين كرامتهم الإنسانية.
نقلاً عن موقع أنصار الله