غزة والوسطاء
الصمود||مقالات||الدكتور عبدالرحمن المختار
تواجه غزة منذ ما يقرب من عامَين -وَفقًا للترويج المضلل للماكينة الإعلامية الناطقة بالعربية- حربًا إسرائيلية! فعناوين تناولات الشبكات الإعلامية التابعة لهذه الماكينة الناطقة لا تتعدى (الحرب الإسرائيلية على عزة) وَ(حرب “إسرائيل” على حماس) وَ(حرب غزة) وغيرها من العناوين التي لا تخرج عن وصف الحالة في غزة بأنها (حرب) أحد طرفيها (إسرائيل) والطرف الآخر حماس، هذه هي تناولات الماكينة الإعلامية الناطقة بالعربية، التي ضللت بها الرأي العام العربي والإسلامي وساهمت بشكل كبير في تضليل الرأي العام العالمي، الذي تفاعل بشكل كبير بعكس ترويج وتضليل الماكينة الإعلامية الناطقة بالعربية، فالملاحظ أن أغلب الشعارات التي يتم رفعها في المظاهرات والمسيرات في أغلب المدن الغربية، تصف ما جرى ويجري في قطاع غزة بالإبادة الجماعية، وتطالب الحكومات الغربية بوقف تصدير السلاح إلى (إسرائيل)؛ بسَببِ استخدامه في جريمة الإبادة الجماعية بحق المدنيين!
والواضح أن الماكينة الإعلامية الناطقة بالعربية تؤدي دوريًّا وظيفيًّا يخدم الكيان الصهيوني وشركاءَه الغربيين في جريمة الإبادة الجماعية، يتجسد هذا الدور في تثبيط الرأي العام العربي والإسلامي، لمنع أي تفاعل أَو تحَرّك شعبي جاد في مواجهة الكيان الصهيوني والقوى الغربية الشريكة له في الجريمة، ولو كان للإعلام الناطق بالعربية دور يخدم فعلًا أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، ويدافع عن مظلوميتهم، لكان ذلك الدور محفزًا للرأي العام العربي والإسلامي للضغط المُستمرّ من خلال المظاهرات والمسيرات ومقاطعة المنتجات والواردات من الدول الشريكة للكيان الصهيوني في جريمة الإبادة الجماعية، والأولى مقاطعة أي تعامل مع هذا الكيان المجرم!
لكن ولأن دور الإعلام الناطق بالعربية وظيفي يخدم فعلًا الكيان الصهيوني والقوى الاستعمارية الغربية الشريكة له في جريمة الإبادة الجماعية، فَــإنَّ حركة الرأي العام العربي والإسلامي تعتبر في حالة تجمد مقارنة بحجم الجريمة المقترَفة في قطاع غزة؛ ولأنَّ دور الإعلام الناطق بالعربية يخدم الكيان الصهيوني والقوى الاستعمارية الغربية، فتناولاته لما جرى ويجري في قطاع غزة تنحصر في مناقشة حالة (حرب) طرفاها (إسرائيل) وغزة! حتى وإن كان من يحضر المناقشات والتحليلات في التغطيات الإعلامية من أبناء الشعب الفلسطيني، فَــإنَّ مناقشاتهم موجهة لا تخرج أبدًا عن السياسة الإعلامية الممنهجة للماكينة الإعلامية الناطقة بالعربية، وإن كانت الشبكاتُ الإعلامية التابعة لهذه الماكينة تنقل للرأي العام مشاهدَ الدمار والقتل الجماعي لأبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، فَــإنَّ ذلك لا يتجاوزُ تكريسَ حالة الاعتياد لدى الرأي العام العربي والإسلامي على مشاهدة تلك المناظر ودون أيِّ تأثير تنتج عنه ردةُ فعل في مواجهة الكيان المجرم وشركائه في الجريمة.
ولا يعُد مستغرَبًا وجودُ السفارات والقنصليات والمصالح الكبيرة للدول الغربية في البلدان العربية والإسلامية، رغم شراكتها الواضحة في جريمة الإبادة الجماعية، بل ليس مستغرَبًا ذلك حتى بالنسبة للكيان الصهيوني المنفِّذ المباشر لجريمة الإبادة الجماعية؛ فسفاراته تتواجد في تركيا والأردن ومصر والإمارات والبحرين، ومصالحه الاقتصادية الكبيرة تتواجد في هذه الدول وفي غيرها، ومع ذلك لا تتعرض لأية مخاطر تُذكر والسبب الدورُ الخدمي الوظيفي، الذي قدَّمته الماكينة الإعلامية الناطقة بالعربية، التي ضللت بتغطياتها وتناولاتها الإعلامية الرأيَ العام وثبَّطت حركتَه تمامًا.
ولأَنَّ الماكينةَ الإعلامية الناطقة بالعربية تخدم فعلًا الكيان الصهيوني، فَــإنَّها قدمت ولا تزال تقدم الإدارة الأمريكية للرأي العام العربي والإسلامي بأنها وسيط، يسعى إلى تحقيق وقف إطلاق النار بين (إسرائيل) وحماس حسب وصفها في تناولاتها! ولم يسبق لهذه الماكينة الإعلامية أن ناقشت دور الإدارة الأمريكية في جريمة الإبادة الجماعية بشكل صريح يترتب عليه تكريس حالة واضحة في ذهنية الرأي العام العربي والإسلامي، مفادها أنه لولا الإدارة الأمريكية ما تمكّن الكيان الصهيوني من اقتراف جريمة الإبادة الجماعية والاستمرار في تنفيذ أفعالها، والأمر كذلك بالنسبة لبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وغيرها من الدول والحكومات الغربية الشريكة في الجريمة.
ولو لم تكن الماكينة الإعلامية الناطقة بالعربية تخدم الكيان الصهيوني والقوى الاستعمارية الشريكة في جريمة الإبادة الجماعية لما قدَّمت مصر وقطر إلى جانب الإدارة الأمريكية وسيطَين في ما تصفه بالحرب على قطاع غزة بين (إسرائيل) وحماس، ولو كان لهذه الماكينة الإعلامية الناطقة بالعربية أدنى دور يخدم أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة لكانت قد ناقشت في تناولاتها وتغطياتها الإعلامية وضع الوسطاء الثلاثة! ومدى اعتبار كُـلٍّ منهم نِدًّا في مواجهة الآخر؟ حتى لا يكونَ وجودُه مُجَـرّد جانب شكلي لا دور له في الواقع!
ولو أن للماكينة الإعلامية الناطقة بالعربية أدنى دور مساند لأبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة لكانت قد أثارت في تغطياتها وتناولاتها الإعلامية مواقف الإدارة الأمريكية السياسية والاقتصادية والعسكرية، التي قدمت -وفقًا لها- كميات كبيرة من شحنات القنابل والصواريخ والمعدات العسكرية المستخدمة في تنفيذ جريمة الإبادة الجماعية! ومليارات الدولارات التي رفدت بها مالية الكيان الصهيوني المجرم، واستخدامها للفيتو في مجلس الأمن الدولي لإحباط أي قرار ملزم في مواجهة الكيان الصهيوني!
ولو أن للماكينة الإعلامية الناطقة بالعربية أدنى دور مساند لأبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة لكشفت في تغطياتها وتناولاتها الدورَ الهامشي للوسيطَين العربيين القَطري والمصري، بل الدور المغطِّي لجرائم الإبادة الجماعية من جانب هذين الوسيطين! ولو كان لهذه الماكينة الإعلامية أدنى دور مساند لأبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة لكانت أثارت في تغطياتها وتناولاتها الإعلامية حق هذين الوسيطين العربيين في تقديم شحنات السلاح والأموال والمواقف السياسية الداعمة لحماس كما يفعل الأمريكي مع مرتكِب جرائم الإبادة! بل لكانت أثارت كحد أدنى حق هذين الوسيطين العربيين تقديم الحليب للأطفال وما تيسر من الغذاء للجوعى في قطاع غزة!
لكن ذلك لم يحدث ولن يحدث؛ لأَنَّ الماكينة الإعلامية الناطقة بالعربية تؤدي دورًا وظيفيًّا خدميًّا للكيان الصهيوني والقوى الاستعمارية الغربية الشريكة له في جريمة الإبادة الجماعية، ولا يختلف الأمر بالنسبة للوسيطين العربيين فدورهما لا يتجاوز دور الماكينة الإعلامية الناطقة بالعربية؛ فهذان الوسيطان دورهما وظيفي أَيْـضًا، فالإدارة الأمريكية تفعّل دورهما متى ما كان الكيان الصهيوني في مأزق، ويحتاج إلى ترتيبات معيَّنةٍ لتجاوز مأزِقه وورطته في غزة؛ فيتم الإيعازُ إلى الوسيطَين العربيين لحمل مقترحات أمريكية إلى حماس، وحثها وحركات المقاومة الأُخرى على التهدئة لإتاحة الفرصة لإنضاج صفقة!
والأمر لا يعد كذلك مطلقًا، بل متعلِّقٌ بالفعل المؤثر من جانب حركات المقاومة في مواجهة الكيان الصهيوني الذي يجد نفسه في مأزق كبير فيستنجد بالإدارة الأمريكية، التي تسارع إلى الترويج لرغبتها في ما تسميه وقف إطلاق النار في غزة، وتكلف الوسيطَين العربيَّين بالتحَرّك السريع والهدفُ من كُـلّ ذلك إنجازُ ترتيبات محدَّدةٍ لتجاوز مأزِق الكيان الصهيوني، وفي الوقت الراهن الملاحَظُ أن المقاومةَ الإسلامية في قطاع غزة ضاعفت الخسائرَ المادية والبشرية في صفوف جنود وضباط الكيان الصهيوني بتلك العمليات الجريئة التي أفقدت قيادةَ هذا الكيان صوابَها؛ وهو ما دفعها إلى إعلان استعدادها لإبرامِ اتّفاق لوقف إطلاق النار، حسب وصفها.
وتتحَرّك الإدارة الأمريكية في ذات الوقت بشكل فاعل تحت عنوان الضغوط الكبيرة، التي تمارسها على قيادة الكيان الصهيوني، وفي ذات الاتّجاه تحَرّك الإدارة الأمريكيةُ الوسيطَين العربيَّين المصري والقَطري لأداء دورهما الوظيفي المناطِ بهما، وبالتزامن مع ذلك تتحَرّكُ الماكينة الإعلامية الناطقةُ بالعربية لتغطية هذا الدور؛ لتصرِفَ الرأيَ العام عن الأسباب الواقعية الحقيقية التي دفعت الكيان الصهيوني والإدارة الأمريكية للترويج لاتّفاق لوقف إطلاق النار، حسب وصفهما، خُصُوصًا بعد تفاخر الكيان الصهيوني المجرم بإطلاق عملية (عربات جدعون) التي تفوَّقت عليها المقاومةُ الإسلامية ميدانيًّا بعمليات (حجارة داوود)!