الصمود حتى النصر

من كربلاء إلى صنعاء.. هل تعلَّمنا ألا نخذل العظماء؟

الصمود||مقالات||عبدالله عبدالعزيز الحمران

في كربلاء، لم تكن الدماءُ وحدَها هي التي سُفكت، بل سُفك معها آخر ما تبقّى من ماء وجه الأُمَّــة. كان الحسين عليه السلام ينادي في صحراءٍ ملأى بالآذان، لكنها آذان لا تسمع، وقلوب لا تعقل، وألسنة آثرت الصمت. فهل تغيّر الزمن؟

ربما تبدّلت الأزياء، وتحولت الجِمال إلى طائرات، والسيوف إلى صواريخ، لكن خيانة العظماء لم تتبدّل. فما يزال في الأُمَّــة رجال كالحسين، يحملون رايات الحق، ويصدحون به، ويتقدّمون الصفوف، ومع ذلك يُخذَلون، يُطعنون، يُتَّهمون، ثم تُسكَت أصواتهم باسم “الحكمة”، أَو “الخوف”، أَو “المصلحة”.

في كربلاء القديمة، وقفت الأُمَّــة متفرجة. قالوا: “الحسين على حق، لكنه خرج على الوحدة!”

واليوم يقولون عن عظماء هذا العصر من المجاهدين في حماس، والقسام، وحزب الله، وأنصار الله: “هم على حق… لكنهم يخالفون القانون الدولي ويتعارضون مع مصالحنا”.

لماذا لا تتغير الرواية رغم ثبات الراية؟

لأن المرض نفسَه ما يزال مقيمًا: الخوف من الطغاة أشدُّ من خشية الله، والاعتياد على الذلّ أقوى من التطلع إلى الكرامة، والتفريط في العظماء أقرب إلى قلوبٍ أرهقها الذل، وخدّرتها الهيمنة الأمريكية والصهيونية.

في ملزمة “من وحي عاشوراء” فجّر الشهيدُ القائدُ حسين بدرالدين الحوثي الوعيَ حين قال بوضوح: إن الأُمَّــةَ هي من صنعت كربلاء، حين سكتت، حين جَبُنت، حين خانت.

فالموقف الحق ليس في البكاء على الحسين، بل في الوقوف مع عظماء الحاضر، وطاعتهم، والقتال تحت رايتهم، والانضواء في مشروعهم. هذا هو الامتحان الحقيقي.

عاشوراء ليست ذكرى ماضٍ، بل مرآةٌ للحاضر، وامتحانٌ للمستقبل.

علّمنا الحسين -عليه السلام- أن الدم لا يُهزم، وأن القلّة الواعية تنتصر، وأن العظماء لا يُقاسون بعدد أتباعهم، بل بعمق قضيتهم.

من يزيد إلى “إسرائيل”.. تفريط يعيد إنتاج الجلاد

التفريط بالعظماء، وصمتُ الأُمَّــة عن المواجهة، يعيدان إنتاج الطغيان بأقنعة جديدة وأسماء دولية لامعة.

حين خذلت الأُمَّــة الإمام الحسين عليه السلام، لم يكن يزيد هو المجرم الوحيد. الجريمة الأكبر كانت في البيئة التي سمحت ليزيد أن يصل إلى الحكم، وفي الأُمَّــة التي تحوّلت إلى غنيمة للطغاة. الأخطر أن هذا المشهد لم يُطوَ في صفحات التاريخ، بل يعاد إنتاجه اليوم، بأساليب حديثة ووجوه ناعمة.

فالتفريط الذي أنجب يزيد، هو ذاته الذي يهيئ اليوم الأرضية لترامب، ونتنياهو، ولأنظمة تصنعها الصهيونية، وتُحكم من واشنطن، وتُساق بثقافة بني إسرائيل.

فالمسألة ليست في أسماء الطغاة، بل في بنية الانهزام التي تُنتِجُهم، في كُـلّ عصر.

حين يُقصَى صوتُ القرآن، ويُهمَّش القادة الأحرار، وتُقدَّس الثقافة المستوردة، لا نكون ضحايا أبرياء… بل شركاء في صناعة الهزيمة.

من التخاذل إلى الاستسلام الكامل

يزيد لم يكن مأساة سياسية فحسب، بل نتيجة حتمية لصمت أُولئك الذين خذلوا الحسين، أَو وقفوا على الحياد، أَو قالوا: “لا نريد أن نتورّط”.

واليوم، يُخذَلُ الأحرارُ الذين يواجهون المشروعَ الأمريكي والصهيوني، وتُشيطَن المقاومة، وتُبرّر الوصاية الدولية… والنتيجة: نعيد إنتاج يزيد، بل نسلّم الأُمَّــة بأكملها للمشروع الصهيوني نفسه.

أليس اليهود أسوأ من يزيد؟

فمن يُمكِّن لأمريكا و”إسرائيل” في بلاد المسلمين، من يُطبّع ويُسكت ويصنع الحياد حين تُسفك دماء الأُمَّــة… هو ليس محايدًا، بل شريك فاعل في مشروع التفريط والخيانة.

ثقافة بني إسرائيل تتكرّر… لكن بأزياء عربية

القرآن الكريم فضح نمطًا انهزاميًّا في بني إسرائيل، حين قالوا:

{لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً}

وهذا النمط ذاتُه يتكرّر في العقل العربي اليوم، وإن اختلفت العبارات:

“لن نواجه أمريكا حتى نصبحَ قوةً عظمى”.

“لن ندعمَ المقاومة حتى يُسمَحَ لنا دوليًّا”.

“لن نؤمن بالمشروع القرآني حتى نرى المعجزات”.

إنها العقلية الانتظارية التي لا تتحمَّل مسؤولية، وتؤجِّلُ المواجهةَ حتى تتهيأ الظروف بالكامل… وهي لا تتهيأ أبدًا.

الطريق إلى التحرُّر: وقفُ التفريط والعودة إلى الوعي

الدرس العاشورائي – كما تؤكّـد عليه ملزمةُ “من وحي عاشوراء” – ليس في البكاء على مأساة، بل في الوعي بخطىٍ لا يزال يتكرّر. فالمعركة اليوم لم تعد مع يزيد، بل مع منظومة عالمية تسعى لطمس هوية الأُمَّــة، وسلب إرادتها، وتمكين أعدائها من حكمها.

ولا سبيلَ للنجاة إلا بالوقوف مع عظماء العصر، وتحمّل المسؤولية، والصدق في الموقف، والولاء لمن يجسد مشروع الهدى في هذا الزمن.