الصمود حتى النصر

الوضعية التي يعيش فيها العرب هي وضعية سخط

وهذا فعلا شواهده قائمة، شواهده قائمة أنه غضب غضباً شديداً على الأمة أن جعلها تحت أقدام من قد ضرب عليهم الذلة والمسكنة، وجعلها أمة تائهة، تمتلك الأموال الكثيرة، تمتلك الخيرات الكثيرة ومع ذلك لا تزال أمة جاهلة، ما تزال تبعث منح دراسية إلى الخارج، منح دراسية، منح دراسية، وخبراء جايين من هناك وناس رايحين يدرسوا هناك، الخبراء بيروحوا ولم ينفعوا بشيء، والطلاب يعودون إلى هنا ولا يعملون شيئاً بل يعودون حرباً لأمتهم الكثير منهم, حالة من الضياع، حالة توحي بأن الأمة تواجه ضربة قاضية من الله سبحانه وتعالى، غضبة شديدة من جانبه.

لأن الله سبحانه وتعالى هو رحمن، هو رحيم يهمه أمرنا، لا يريد أن نُظْلم، لا يريد أن نكون كافرين فنستحق جهنم، هو عندما وعد بجهنم للمجرمين لم يقل: تلك جهنم فأي مجرم، أو واحد يريد أن يضل فمصيره جهنم، لا يهمه أمره, هو يهدي الناس، ويرشدهم إلى كيف يبعدهم عن مقتضى سخطه، وعقابه، كيف يبعدهم عن طريق جهنم، عن الوقوع في جهنم، هو رحيم بالناس، هو رحيم بعباده.

دينه هذا الذي هو لا يساوي عند الكثير منا [الدخان الذي نعمره يومياً]، لا يساوي الاهتمام به الاهتمام بالدخان الذي يتحول من نقود إلى دخان في الهواء. أمره عظيم عند الله، هو يعلم أنه نعمة عظيمة لعباده، يعلم أنه متى ما ضاع في وسطهم سيضيعون هم، ويهلكون هم، متى ما ضاعوا هم، متى ما هلكوا سيضيعون هداه لعباده, للبشر كلهم.

كم صعدت أصوات تقول: [يجب أن نلحق بركاب الغرب] من قبل مائة سنة بدأت من مصر، ومن بلدان أخرى [يجب أن نتثقف بثقافة الغرب، يجب أن نلحق بركاب الغرب، يجب أن نعمل على كيف نتطور مع الغرب].طيب نساء العرب [تخلْوَسِنْ] وأصبحن يقلدن الغرب تماماً هل تطوروا؟ هل وصلوا إلى ما وصل إليه الغربيون؟. لا، لا؛ لأنهم يتصورون أن المسألة هي أن بإمكاننا أن نصل إلى ما وصل إليه الآخرون، ونحن العرب، نحن العرب من لدينا مسئولية مهمة كان بالإمكان أن تجعلنا – لو نهضنا بها – فوق أولئك الآخرين ويكونون هم من يفكرون في اللحاق بركابنا، فالمسألة لا تتأتى، لن تحصل.

فمازال المصريون الذين انفتحوا على دول الغرب قبل أن ينفتح الصين عليها، وبعثوا بطلاب إلى الغرب قبل أن يبعث الصينيون بطلاب إليها، أصبحت الصين دولة عظمى صناعية، والمصريون مازالوا شغالين في التمثيل قطاع التمثيل مجبر مازالوا يبعثون بطلاب إلى الغرب، طلاب على طول، منح دراسية يرجع قد هو فرنسيا بتفكيره يكون حربا لأمته، لدرجة أن من يرسلوا ويعودوا يتحولون إلى ساخرين من أمتهم.

أي أن الوضعية التي يعيش فيها العرب هي وضعية سخط، الوضعية التي يعيش فيها المسلمون وضعية سخط من الله لماذا؟ لأنهم أضاعوا دينه الذي فيه ذكرهم، وفيه شرفهم، وفيه عزتهم فلا يمكن أن يتحقق لهم شيء إلا بعد أن يعودوا هم، ومتى ما عادوا سيصبحون هم سادة الدنيا، سيصبحون هم من يفكر الآخرون باللحاق بهم، بالاهتداء بهم، بالتقليد لهم، بالتثقف بثقافتهم، بالتحلي بأخلاقهم، فيعم الهدى الدنيا كلها.

{اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} لاحظ {وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} لو نأتي إلى النظر إلى الآية من منظار آخر أن يأمرك بأن تكون على أعلى درجات التقوى، ثم يقول لك: انتبه لا تموت وأنت كافر .. ما هذه حالة من التباين في التعبير تقريباً؟ عند من يفهم اللغة العربية حالة من التباين في التعبير، ولهذا يأتي بعض المفسرين فيقولون: معناها ولا تموتن إلا وأنتم مستسلمون لله، خالصون لله! من أجل أن يجعلوا كلمة: {مُسْلِمُونَ} تنسجم مع كلمة {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ}.

المسألة هي على وضوحها، أنتم في مواجهة فريق من أهل الكتاب، بل أنتم الآن في مواجهة أمم من أهل الكتاب تعمل على أن تردكم بعد إيمانكم كافرين, أليس هذا شيء؟ هناك طرف يعمل على أن يصل بنا إلى درجة الكفر، إلى أن نكفر، وطرف خطير سيعرف كيف يصل بنا إلى أن نكفر ونحن نشكره على ما عمل معنا، إلى كيف نكفر ونحن نتلهف على أن نلحق بركابه، كيف نكفر ونحن نثقف أنفسنا بثقافته ونعتبرها هي التحضر والتقدم والتطور، وتعني هي العقل، والسمو الروحي والبشري، والارتقاء الإنساني .. ما هذا الذي يحصل الآن في بلاد المسلمين؟ نكفر طواعية ولهذا قال: {إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ} (آل عمران:100).

إذاً فمعناه أنه فعلاً سيحصل هذا، كفر صريح. ألم يجعل الله تولي اليهود والنصارى كفراً في قوله: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} (المائدة: من الآية51)؟. أليس اليهود والنصارى عند الله كافرين؟. أو فقط أنهم لم يتقوا الله حق تقاته؟. بل كافرين.

فمعنى هذا أنتم في مواجهة قضية خطيرة جداً عليكم هي بالغة الخطورة عند الله، وبالغة الأهمية عند الله، يجب أن تتقوا الله أولاً حق تقاته هو تحذروه أقصى درجات الحذر من أن تقصروا فيها .. لماذا؟. القضية خطيرة، ثم لتفهموا بأن تحرصوا وتنتبهوا، قد تموتوا غير مسلمين هذا الإسلام العادي، ليس فقط غير مستسلمين الذي هو أعمق درجات الإسلام، وأرقى درجات الإيمان، التسليم المطلق لله سبحانه وتعالى.

تصبحوا غير مسلمين بهذا المعنى الذي يكتب في جوازاتكم، أو يتردد على ألسنكم تصبح كافرا بمعنى الكلمة؛ ولهذا قال: {وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (آل عمران: من الآية102) أي تنبهوا أنتم في مواجهة قضية خطيرة قد يموت الواحد منكم وهو كافر، فكونوا متيقظين، حريصين على أن تنتبهوا لأنفسكم حتى لا يحصل الموت إلا وأنت مسلم، أي لا يحصل الموت وأنت كافر، لا يأتيك الموت وأنت كافر, أي أن هناك من سيأتي ليطبعك بالكفر فتعيش كافراً وتموت كافراً، والأمة معرضة إلى هذه الحالة، وما أكثر – ربما في علم الله – من يكون قد وقع في هذه الحالة، في حالة الكفر.

وما هو الكفر؟. هل متى ما أصبح الإنسان كافراً فستخرج له قرون في رأسه يعرف بأنه كافر؟ أو يصبح – مثلاً – لونه متغير إلى لون أزرق فعرفنا بأنه كافر؟ الكفر والإيمان هو في النفوس، في القلوب، في الأعمال, تتحول كافراً وأنت أنت ما ترى بأنك تغيرت شيئاً، أنت فلان بن فلان صاحب ذلك البيت، وصاحب تلك الأموال، والذي يسوق ذلك السوق، والذي يدخل المسجد يصلي، لكن تصبح كافرا فعلا.

ولهذا تأتي العبارة: {وَلا تَمُوتُنَّ} {وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (آل عمران: من الآية102) أي أن القضية بالغة الخطورة على طرف معين بالذات أكثر من غيره، هو من يمسح من ذهنيته روح الجهاد فليس مستعداً أن يقاتل أهل الكتاب، ليس مستعداً أن يقاتل أعداء الله، هو يريد أن يجلس على حاله لا يمسه شيء؛ لكي يموت على فراشه، أي هو يريد أن يموت.

لكنه يقول لك: أنت بهذه الروحية تواجه خطورة بالغة يحتمل أن تموت كافراً, لكن وأنت تنطلق في ميدان القتال لأعداء الله أنت أبعد ما يكون عن الخطورة؛ ولهذا لم يقل: [ولا تُقتلوا إلا وانتم مسلمون] هل جاءت عبارة [ولا تقتلوا؟.] القتل غير الموت؛ ليقول لأولئك الذين يرسمون لأنفسهم طريقا يتهربون به عن ميدان المواجهة مع أعداء الله، مع هذا الفريق الذي يسعى إلى أن يراك تموت فوق فراشك وأنت كافر، من يتهرب عن ميدان المواجهة هو هو من يتعرض لخطورة الموت كافراً وبسهولة.

وأنتم عندما تتأملون فعلاً كيف ستنطلق أصوات من حناجر مسلمة، بعضهم هو الذي يؤذن للصلاة، أو هو الذي يصلي بالناس، أو هو الذي يظهر أمام الناس بمظهر أنه متدين قد يصدر من حنجرته كلاماً يهيئ الناس إلى أن يكونوا كافرين، قد يكون هو من حيث لا يشعر كافراً؛ ولهذا جاءت الآية تحذر من قضية بالغة الخطورة أنه أنت انتبه لنفسك قد يأتيك الموت وأنت غير مسلم.

هذا هو مسار الآيات، مسار الآيات حول قوله: {يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ} (آل عمران: من الآية100) {لا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (آل عمران: من الآية102) ما معنى هذا؟ قضية مترابطة، انتبهوا هم ناس يسعون بكل جد واجتهاد، ولديهم خبث شديد، وإمكانيات هائلة ليردوكم كافرين، انتبهوا لا تموتوا إلا وأنتم مسلمون، لا يأتيكم الموت إلا وأنتم مسلمون، متى ما حصل لديك هذا الشعور فأنت ستنطلق إلى ميدان المواجهة، ستنطلق إلى ميدان القتال فإما أن تقتل وأنت مؤمن، وإما أن تموت فيما بعد وأنت مؤمن.

[الله أكبر, الموت لأمريكا ,الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود , النصر للإسلام]

دروس من هدي القرآن الكريم

آيات من سورة آل عمران/الدرس الثاني

ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي ، بتاريخ: 9/1/2002م

اليمن – صعدة

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com