إيران تكشف “زلزالًا استخباريًا”: تفكيك شبكة تجسس هي “الأعقد في التاريخ الحديث”
الصمود||مقالات||عبدالرحمن المؤلف
من تبريز شمالًا إلى شيراز جنوبًا، ومن كردستان غربًا إلى خراسان وبيرجند شرقًا، كشفت إيران خلال الأسابيع الماضية عن واحدة من أكبر عمليات التجسس وأكثرها تنظيمًا في تاريخ المنطقة، بعد تمكن أجهزتها الأمنية من تفكيك شبكات استخباراتية عابرة للحدود تابعة للموساد الإسرائيلي ووكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA)، في ما وصفه مراقبون بأنه “شبكة جواسيس نمت بصمت لعقود، وحُصِدَت في أيام”.
■أرقام صادمة: أكثر من 700 جاسوس في 12 يومًا
بحسب مصادر أمنية إيرانية رسمية، فقد تم إلقاء القبض على ما يزيد عن 700 عنصر استخباراتي خلال 12 يومًا فقط، في عمليات متفرقة شملت معظم المحافظات الإيرانية، من العاصمة طهران إلى أقاليم الأطراف، وتم الكشف عن أكثر من 10 آلاف طائرة تجسس مسيّرة صغيرة تم ضبطها في طهران وحدها، كانت تُدار عن بُعد لغرض الرصد والتوثيق وربما الاستهداف.
خريطة الانتشار الجغرافي لشبكة الجواسيس:
فارس (شيراز): 53 جاسوسًا
خوزستان: 54 جاسوسًا + 8 في مسجد سليمان
كرمان: 7 جواسيس
مشهد: 18 جاسوسًا، معمل طائرات مسيّرة
گیلان: 36 جاسوسًا
قم: 22 جاسوسًا
طهران الكبرى: 24 + 2 في رباط كريم + 1 في شهر ري
همدان: 30 جاسوسًا
بوشهر: 9 + 1 أجنبي
قزوين، يزد، قزوين، ألبرز، كردستان، أروميه، وغيرها: عشرات الجواسيس في كل منها
كما تم القبض على جواسيس أجانب، منهم 3 أوكرانيين في أصفهان متورطين في الهجوم على مصنع مسيرات، وجواسيس من جنسيات أوروبية مختلفة في هرمزگان وكرمانشاه وکهگیلویه.
■من أدوات الرصد إلى مهمات القتال
لم يكن نشاط هذه الشبكات مقتصرًا على الرصد المعلوماتي أو التصوير الجوي، بل توزعت المهمات بين:
الدعم اللوجستي: نقل طائرات درون، أجهزة اتصالات، ذخائر
الرصد الميداني والمتابعة: مراقبة تحركات الحرس الثوري، العلماء النوويين، ومواقع عسكرية حساسة
المشاركة في عمليات مسلحة وتفجيرات
الإعلام والفضاء المجازي: صناعة الشائعات، بث التذمر، تشويه صورة النظام
في مثال بارز، تم توقيف شاحنة في محافظة سيستان وبلوشستان محملة بأسلحة متطورة، فيما ضبطت الأجهزة الأمنية في هرمزگان أكثر من 400 طائرة درون مزودة بعدسات تصوير عسكرية دقيقة، فضلًا عن 2224 جهاز اتصال لاسلكي في قضاء پارسيان.
■كيف نجحت إيران في تفكيك الشبكة؟
النجاح الإيراني في كشف هذا الكم الهائل من العملاء يعود إلى عوامل متداخلة:
1. جهوزية استخباراتية محلية تمتلك خبرة متراكمة منذ حرب الثمانينات وما بعدها.
2. شبكات أمنية مجتمعية تعتمد على البلاغات الشعبية والتواصل المباشر مع الجمهور، وهو ما أثبت فعاليته بشكل لافت.
3. ترابط استخباري تقني – ميداني سمح بكشف تحركات الطائرات دون طيار عبر إشارات البث والتتبع.
■ما وراء الأرقام: أبعاد استراتيجية
هذه الأرقام لا تعبّر فقط عن اختراق أمني، بل تكشف عن استراتيجية استخباراتية معقدة هدفها:
زعزعة الداخل الإيراني عبر تفجيرات وترويج فوضى إعلامية
اغتيالات دقيقة كما حصل مع بعض قادة الحرس الثوري والعلماء النوويين
بناء بنك أهداف متكامل استعدادًا لحرب استنزاف طويلة
وقد سبق هذه الحملات التجسسية اغتيال الرئيس إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في حادثة الطائرة التي لم تغلق ملفاتها بعد، فضلًا عن اغتيال القائد إسماعيل هنية بطهران مؤخرًا.
■الرد الإيراني… هل سيكون استخباراتيًا؟
في الوقت الذي ردت فيه طهران بصواريخها الدقيقة على المراكز العسكرية الإسرائيلية، يترقب العالم “الرد الاستخباراتي الإيراني” الموازي، إذ تشير تقارير إلى أن إيران قد حصلت على وثائق حساسة من البرنامج النووي الإسرائيلي ومراكز البحث العسكري قبل بدء التصعيد الأخير.
وتُطرح تساؤلات حول ما إذا كانت طهران ستفعّل خلاياها في العمق الإسرائيلي كما فعلت تل أبيب في الداخل الإيراني، في ما يشبه “توازن الرعب الاستخباراتي”، خاصة وأنه لا توجد حصانة مطلقة في عالم التجسس.
■خلاصة: عندما تحصد الدول ما زرعه العدو
في كلمة جامعة، ما كشفته إيران هو بمثابة درس استخباراتي عالمي:
العدو لا ينتظر الحرب ليخترقك، بل يبدأ بزرع أدواته في زمن السلام، ليفجّرك في لحظة الاطمئنان.
وكما قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام:
“الحذر كل الحذر من عدوك بعد صلحه؛ فإن العدو ربما قارب ليتغفل.”
إيران اليوم لا تواجه فقط عدواً خارجياً، بل خريطة استخباراتية كاملة كانت تتنفس داخلها…لكنها لم تكن نائمة.
المصادر:
1.وكالة فارس–تقرير استخباراتي عن خلايا الموساد في الداخل (مايو 2025).
2.قناة العالم–لقاء خاص مع مسؤول أمني إيراني،20 مايو 2025.
3.صحيفة كيهان–أرقام رسمية عن اعتقال الجواسيس، العدد 9512.
4.موقع”نور نيوز”الأمني–تحليل عن المسيرات المضبوطة في طهران.