الصمود حتى النصر

كيف تناول الإعلام العالمي العدوان الإسرائيلي على إيران؟

الصمود||تقرير||منصور البهكلي

يتأهب العالم لحدث جلل لم تتضح معالمه حتى الآن، جراء العدوان الإسرائيلي على الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وما تلاه من رد إيراني دفاعاً عن النفس بقصف متواصل طال عمق كيان العدوّ في فلسطين المحتلة.

 وتمكنت إيران من امتصاص الضربة الأولى التي كان العدوّ الإسرائيلي يهدف من خلالها إلى تدمير المنشآت النووية الإيرانية السلمية، لكن المسار بعد ذلك تغير تمامًا؛ فالهدف الرئيس للكيان لم يتحقق، والرد الإيراني بلغ مستويات لم يتوقعها أعداء الجمهورية الإسلامية.

هذه الأحداث أجبرت الجميع على إعادة تقييم الاستقرار الإقليمي والتحالفات الجيوسياسية العالمية، والعودة إلى الواقعية السياسية والعسكرية حول قراءة الفعل وردة الفعل الدائرة، وتداعياتها على مختلف المستويات.

 وتنوعت التغطية الإعلامية لوسائل الإعلام العالمية بما فيها الأمريكية حول ما حدث، حيثُ غطت وسائل الإعلام الأمريكية الكبرى مثل “نيويورك تايمز” و”وول ستريت جورنال”، الأزمة المتصاعدة على نطاق واسع، مع التركيز على الموازنة الدقيقة التي استمرت عليها إدارة المجرم السابق بايدن، والاستراتيجية الجديدة المتهورة لإدارة المجرم ترامب.

وعبّر “توماس فريدمان”، الكاتب البارز في “نيويورك تايمز”، مؤخرًا في مقال رأي له بعنوان: “رقعة الشطرنج الخطرة الجديدة فيما سماه بـ “الشرق الأوسط”، يوم 13 يونيو 2025م، من أن واشنطن تحاول إتاحة المجال لكيان العدوّ الصهيوني لاستعادة الردع العسكري، مع الإمساك بخيوط الهيمنة الدبلوماسية على طاولة المفاوضات.

ويشير الكاتب إلى أن الهدف الأساسي للإدارة هو منع حرب أوسع يمكن أن تعرقل الاستقرار الاقتصادي العالمي وتزيد من تعقيد الجهود لمواجهة النفوذ الروسي والصيني، وبقاء الهيمنة الأمريكية في المنطقة.

وعلى قناتي (CNN وFox News)، تتناول المناقشات بشكلٍ متكرر لمسؤولين سابقين في البنتاغون وخبراء الأمن القومي، حيثُ أكّد الجنرال المتقاعد “ديفيد بتريوس”، في مقابلةٍ حديثة له على البرنامج أن إيران وكيان العدوّ الإسرائيلي يمتلكان قدرات كبيرة، وأن التصعيد المتبادل يمكن أن يخرج عن السيطرة بسرعة.

بدورها سلطت “كوري شايك”، في معهد “أمريكان إنتربرايز”، في تحليل لها لمجلة “فورين أفيرز”، قبل يومين من العدوان، الضوء على التحدي الذي تواجهه الولايات المتحدة في الحفاظ على ردع موثوق به ضد إيران مع تجنب التورط المباشر في صراع مباشر للإدارة الحالية، وهذا ما كان واضحًا من تصريحات ترامب حول علمه بالعدوان الإسرائيلي على إيران قبل حدوثه.

تخوف أوروبي من عدم الاستقرار الإقليمي:

من جهتها تبنت وسائل الإعلام الأوروبية، بما في ذلك “الغارديان” البريطانية، و”لوموند” الفرنسية، و”فرانكفورتر ألجماينه تسايتونغ” الألمانية، في تقاريرها وتحليلاتها وبرامجها النقاشية العدوان الإسرائيلي على إيران بشكل واسع، مؤكدة بنبرة من الحذر والقلق، على احتمالية حدوث أزمة إنسانية وموجة جديدة من اللاجئين إذا تصاعدت المواجهة.

 ودعا مراسل الشؤون الخارجية في “الغارديان، جوليان بورغر”، في مقالٍ له بعنوان: “أوروبا تحبس أنفاسها مع تدهور الوضع في المنطقة”، بعد يوم واحد من العدوان الصهيوني على إيران إلى أهمية تفعيل الجهود الدبلوماسية العاجلة التي يبذلها وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي للضغط من أجل نزع فتيل التصعيد والعودة إلى الحوار، ومفاوضات الملف النووي مع إيران.

وعلى محطة “بي بي سي نيوز”، أكّد المعلقون مثل “جيريمي باون”، محرر شؤون الشرق الأوسط، باستمرار على المظالم التاريخية العميقة والحسابات الاستراتيجية التي تدفع كلا الجانبين، “ما يجعل الحل السريع يبدو بعيد المنال”.

وحذر “باون”، خلال بث مباشر من أن “أشباح النزاعات الماضية تطارد الحاضر، وأن المنطقة تخاطر بأن تلتهمها نار لن ترحم أحدًا”، قبل العدوان على طهران بـ 3 أيام.

وسلَّط المحللون الضوء على التداعيات الاقتصادية على أوروبا، وخاصة المخاوف بشأن اضطرابات إمدادات النفط واستقرار طرق التجارة العالمية.

الإعلام العبري بين الخوف والمعضلات الاستراتيجية:

وعكست الساحة الإعلامية العبرية، بما في ذلك “يديعوت أحرونوت” و”هآرتس” و”القناة 12″، مزيجًا معقدًا من الخوف والغضب والنقاش الاستراتيجي، فالشجاعة الأولية التي تلت ضربات كيان العدوّ الصهيوني -بحسب بعض التحليلات- تراجعت لتفسح المجال لتقييم أكثر رصانة لقدرات إيران الانتقامية، ونفسها الطويل.

وقيّم مراسل شؤون الدفاع في “هآرتس، عاموس هاريل”، في مقالة بعنوان: “ثمن التهور”، قال فيه: “كيان العدوّ يواجه واقع إيران الجديد”، وأسهب في انتقاد الثقة المفرطة لليمين المتطرف التي أدت إلى التصعيد الحالي.

ويشير “هاريل” إلى أن المؤسسات الاستخباراتية والعسكرية لكيان العدوّ الصهيوني تكافح الآن لقراءة مبدئيه لحجم ودقة الردود الإيرانية غير المتوقعة، وخاصة ما ورد عن فشل الدفاعات الجوية وحجم الدمار الذي أحدثته موجات الصواريخ الإيرانية.

وعلى القناة 12 الإخبارية، حذر محللون عسكريون مثل اللواء احتياط في جيش الكيان “يتسحاق بريك”، وهو منتقد صريح لمدى جاهزية جيش الاحتلال، مرارًا وتكرارًا من ضعف الجبهة الداخلية لكيان العدوّ الصهيوني أمام وابل صاروخي مستمر.

وعبّر “بريك”، في مقابلة حديثة يوم 11 يونيو 2025م، عن قلقه العميق بشأن فاعلية “القبة الحديدية” وأنظمة الدفاع الجوي الأخرى ضد هجوم واسع النطاق ومتعدد الاتجاهات، مرددًا أن هذا الواقع مفاجئ للاحتلال.

أما “يوسي ميلمان”، المحلل الأمني الصهيوني البارز الذي يكتب لصحيفة “معاريف”؛ فعبر في مقالة له عن مخاوف بشأن التداعيات طويلة الأجل لصراع مطول مع إيران، يدفع الكيان الغاصب لتوسل طلب وقف إطلاق النار.

تصريحه بأن “استمرار الصراع مع إيران قد يجبر الكيان الصهيوني على التوسل لوقف إطلاق النار”، يؤكد شعورًا متزايدًا بالضعف وإدراكًا بأن الوضع الاستراتيجي لكيان العدو، “حتى مع الدعم الغربي، يمكن أن يتعرض للخطر بشكلٍ كبير”.

ويشير الإجماع عبر هذه الساحات الإعلامية المتنوعة إلى وضع محفوف بمخاطر صعبة للغاية؛ بينما تركز وسائل الإعلام الأمريكية على التدخل الدبلوماسي والاحتواء الاستراتيجي، حيثُ تؤكد معظم المنافذ الإعلامية وبرامجها التحليلية الأوروبية على المخاوف الإنسانية والاستقرار الإقليمي، وارتفاع أسعار الوقود وإعاقة الملاحة البحرية، مع تزايد المخاوف من ضربات اقتصادية، وارتفاع أسعار المواد الغذائية وعرقلة النقل البحري، ووصول البضائع.

وفي الوقت نفسه، تتصارع وسائل الإعلام العبرية مع التهديدات المباشرة والمرونة غير المتوقعة للرد الإيراني.

لم تعد الحرب بين كيان العدوّ الصهيوني وإيران حرب ظل للمواجهة الأمريكية الغربية ضد إيران ومحور المقاومة؛ بل واقعًا صارخًا، يتطلب اهتمامًا عاجلاً ويثير شبح صراع إقليمي مدمر يمكن أن يعيد تعريف المشهد الجيوسياسي لعقودٍ قادمة، ويجر عشرات الدول إلى حربٍ كبرى لا تدرك نتائجها حتى الآن.

نقلاً من موقع المسيرة نت