الصمود حتى النصر

الأمم المتحدة وشريعة الأقوى

الصمود//مقالات//أم هاشم الجنيد

في عالم يُفترض أن تسوده القوانين الدولية والعدالة، تُطلّ الأمم المتحدة ككيانٍ أُسس لحفظ السلم والأمن الدوليين، لكنها تبدو اليوم رهينة لهيمنة القوى الكبرى، تفسر “الشرعية” بحسب مصالحها وتمنحها لمن تشاء وتسلبها عمّن تشاء.

ينص ميثاق الأمم المتحدة في مادته الثانية، الفقرة الرابعة، على امتناع الدول عن استخدام القوة أو التهديد بها في العلاقات الدولية، إلا في حالتي الدفاع عن النفس أو بتفويض من مجلس الأمن. غير أن الواقع يكشف تناقضًا صارخًا بين النص والتطبيق، حيث تُستخدم القوة دون رادع، وتُشن الحروب دون محاسبة، وتُمنح الحماية لمن يملكون الفيتو، بينما تُترك الشعوب الضعيفة تواجه مصيرها وحدها.

غزة، الجرح النازف، تقدم نموذجًا حيًا لهذا الخلل الأممي. يُذبح الأطفال وتُقصف البيوت وتُدمر المستشفيات، فيما مجلس الأمن مشلول، عاجز عن إصدار قرار ملزم، لأن “الشرعية” أصبحت حكرًا على الأقوياء. لقد تحولت العدالة الدولية إلى مسرح من الشعارات، بينما تُنتهك الإنسانية في وضح النهار.

بعض الدول الكبرى تُحرك جلسات الأمم المتحدة حسب مصالحها، وتُجيّر القرارات لصالح حلفائها، بينما تُعارض، بل وتُجهض، أي قرار يُدين الاحتلال أو يُطالب بحماية المدنيين في فلسطين. هكذا تُترجم القوانين الدولية في هذا العصر: من يمتلك القوة يكتب الرواية، ومن يملك الفيتو يُعيد صياغة العدالة.

إن غياب الإنصاف، وانتقائية التعاطي مع النزاعات، يُكرسان مبدأ “شريعة الأقوى”، ويُسقطان قناع الحياد عن المؤسسة الأممية. وإذا استمر هذا النهج، فإن الأمم المتحدة ستفقد ما تبقى من مصداقيتها، وستُذكر في كتب التاريخ كشاهدٍ أخرس على أكثر الجرائم فداحة.

فيا من تتشدقون بالشرعية الدولية، أين هي من دماء غزة؟ أين هي من أنين الأطفال تحت الركام؟ العدالة لا تُقاس بميزان القوة، بل بموقف يُنصف المظلوم، لا بموقع يُرضي القوي.

لقد آن الأوان لإصلاح هذه المنظومة الدولية، أو على الأقل فضح عجزها، ليعلم العالم أن الصمت في وجه الظلم خيانة، وأن التاريخ لا يرحم المتواطئين، وإن لبسوا ثوب القانون.