الصمود حتى النصر

إيران تمسك “إسرائيل”من رقبتها.. عملية استخبارية بأبعاد نووية وتوقيت تفاوضي حساس

الصمود- بقلم – زهراء ديراني

ما أعلنته طهران عبر إعلامها الرسمي ليس مجرد كشفٍ استخباري تقليدي.. بل خطوة محسوبة بدقة على رقعة شطرنج إقليمية ودولية مشتعلة.. فحين يقال إن جهاز الاستخبارات الإيراني تمكن من الحصول على آلاف الوثائق الحساسة والمتعلقة بمنشآت الاحتلال النووية ومشاريعه الاستراتيجية.. فنحن أمام إنجاز استخباري ضخم يعادل من حيث التأثير قصفاً صامتاً على عمق العقل الأمني الإسرائيلي.

🔻أولاً: عملية بمواصفات غير مسبوقة

بحسب الرواية الإيرانية فإن:

_حجم الوثائق هائل إلى درجة أن مجرد استعراض الصور والمقاطع المرافقة لها يستغرق وقتاً طويلاً.

_نقل الوثائق إلى الداخل الإيراني تطلب وقتاً وتأميناً عالي المستوى.. مما فرض التكتم على العملية.

_وصول “الحمولة” إلى مواقع آمنة داخل إيران.

نحن إذن أمام عملية مركبة من حيث العمق.. والتقنية.. التخطيط.. التنفيذ.. الاختراق.

🔻ثانياً: الرد الإيراني على عملية “الموساد” في طهران؟

عام 2018 سرق “الموساد” وثائق من الأرشيف النووي الإيراني داخل طهران.. وقدمها نتنياهو للعالم باستعراض درامي.. اليوم يبدو أن طهران ردت العملية لكن بطريقة أكثر هدوءاً وأشد وقعاً.

الفارق هنا أن إسرائيل نشرت كل ما استولت عليه على الفور لأهداف إعلامية وسياسية.. بينما إيران تختار التوقيت وتتحكم بطريقة إخراج الورقة.. وتلوح بها كورقة ردع.

🔻ثالثاً: التوقيت ليس تفصيلاً.. بل مفتاح التحليل

إعلان العملية جاء:

_في ظل مفاوضات غير مباشرة بين إيران والولايات المتحدة حول الملف النووي.

_تصاعد التهديدات الإسرائيلية بشن ضربات عسكرية على منشآت إيران النووية.

هذا التزامن يحول الوثائق من إنجاز استخباري إلى ورقة تفاوض استراتيجية.. فبدل أن تتفاوض طهران من موقع المستضعف أو المراوغ.. تعلن أنها تمسك بخيوط الأمن الإسرائيلي نفسه.. وأنها قادرة على قلب الطاولة متى شاءت.

🔻رابعاً: رسائل متعددة الاتجاهات

_لإسرائيل: نحن نعرف عمقكم الأمني والنووي.. فلا تراهنوا على تفوّق استخباري دائم.

_للولايات المتحدة: إيران ليست الطرف الضعيف على طاولة التفاوض.. بل طرف يعرف نقاط ضعف خصومه.

_لمحور المقاومة: هذه إيران القوية.. صامدة ومبادِرة ومخترِقة.

_للرأي العام الإيراني: رغم العقوبات والضغوط.. الدولة لا تزال تضرب في عمق العدو.

_للداخل الإسرائيلي: اهتزاز إضافي لثقة الشارع بمنظومته الأمنية التي تلقت سلسلة ضربات داخلية وخارجية منذ 7 أكتوبر.

🔻خامساً: الاحتمال الأخطر.. لم تنشر الوثائق بعد

الأخطر أن إيران لم تنشر حتى الآن أي من محتويات هذه الوثائق.. وهذا يعني شيئاً واحداً: الرسالة ليست في “المحتوى” بل في “القدرة”.

وهذا النوع من التلويح لا يستخدم إلا عندما يكون التوقيت حساساً جداً.. والهدف أكبر من الإحراج الإعلامي.. فقد تستخدم الوثائق في:

_ردع إسرائيل عن أي مغامرة عسكرية.

_الضغط غير المعلن في مسار المفاوضات مع واشنطن.

_إرباك المنظومة الأمنية داخل كيان الاحتلال وزرع الشك داخلها.

🔻خلاصة:

العملية ليست حدثاً عابراً بل نقطة تحول في الحرب الاستخبارية الدائرة والمتصاعدة بين إيران وإسرائيل.

لقد وضعت طهران يدها على “الرقبة الأمنية لإسرائيل”.. وبدل أن تشد الخناق فوراً.. قررت أن تبقي يدها هناك.. ليعرف الجميع أنها تستطيع.. لكنها تختار اللحظة المناسبة.

في السياسة كما في الحرب.. لا يكفي أن تعرف نقطة ضعف خصمك.. المهم أن تلمح له بأنك تعرف… وتدع الوقت يعمل لصالحك.

وفي ميزان الردع الجديد: من يملك المعلومة.. يملك زمام الضربة قبل أن تطلق.