اليمن يشدد الخناق: هل ينجح الحصار البحري الجديد في شل حركة الكيان؟
الصمود||تقرير|| علي الدرواني
قد يبدو قرار توسيع الحظر البحري اليمني الذي أعلنته القوات المسلحة اليمنية على كيان العدو الإسرائيلي المجرم مفاجئا للوهلة الأولى، لكن بالتدقيق فهو عبارة عن مراكمة لمعادلات الردع وإسناد غزة، وكذلك هو مبني على عدد من الإنجازات المهمة التي حققتها القوات المسلحة اليمنية في عدة مستويات، وليس منفصلا عن توسيع التوحش اليهودي في غزة بحق أهلها الذين لم يترك العدو أمامهم أمنا ولا مأكلا ولا مسكنا، ولو استطاع أن يقطع الهواء لفعل. ومن جهة أخرى فهو ورقة قوة بيد الأمة جمعاء، إن استغلتها حققت عزتها وكرامتها واستعادت موقعها بين الأمم.
لا يمكن لعاقل، ولا لمن لا يزال يحمل في قلبه ذرة من الإنسانية، فضلا عن العروبة والمشاعر الإسلامية، أن يقف متفرجا أمام ما يجري من غزة، من توحش يهودي بحق المستضعفين من الرجال والنساء والولدان، الذين وصلت بهم المعاناة حدودا تفوق الوصف، ولا تجد مفردات لغوية تعبر عنها، إلا بعبارات مطولة، فأوامر الإخلاءات في غزة شمالا وجنوبا، لا تكاد تتوقف، وباتت تشمل ما تبقى من أحياء في مدن غزة وخانيونس وغيرها، وحركة النزوح لا إلى مكان، ولا إلى مأمن، بل إلى محرقة تنتظرهم قد لا ينجو منها أحد، إذا ما أضيف لها الجوع والعطش، ومشقات التنقل بدون وسائل نقل، مشيا على الأقدام، فهي حالة لا تكاد تستطيع وصفها إلا مقاطع مصورة مطولة، وقبلها آلاف الأطنان من المتفجرات، والقنابل الخارقة، والأحزمة النارية، حتى وصفها بيوم القيامة قد لا يكون كافيا. هذه الصورة لا تسمح لعاقل أن يقف متفرجا، حتى لو لم يملك بيده إلا حجرا، أو لم يملك إلا صوته، لخرج الناس إلى الشوارع بحناجرهم، وقبضاتهم، إعلانا لرفض ما يقوم به العدو.
من هذا المنطلق، الإنساني والديني والأخلاقي، لم يقف اليمن متفرجا، بل تحمل المسؤولية أمام الله، وقرر توسيع قرار الحظر، ليشمل ميناء حيفا، وهو أهم الموانئ لكيان العدو على سواحل فلسطين المحتلة في شاطئ البحر الأبيض المتوسط.
يأتي قرار الحظر بعد أيام من انعقاد قمة عربية في بغداد، خرجت بقائمة مطالب، ولم يكن فيها أي قرار عربي لإغاثة أو مساعدة أهلنا في غزة، الذين يتضورون جوعا، في محيط ما يقارب من نصف المليار عربي، يقتلهم ويحاصرهم بضعة ملايين من اليهود الصهاينة، حتى مع انعقاد القمة لم يحسب لها هذا العدو أي حساب، فاثنان وعشرون زعيما عربيا، كان العدو يدرك أنهم يتكلمون ولا يعملون، وأصبح اليوم يدرك أنهم حتى الكلام فهم لا يتكلمون، بل يشيحون بوجوههم عما يحصل لإخوانهم في العروبة والإسلام، ولا يحركون ساكنا.
فكان حقا على اليمن أن يقوم بواجب كل العرب المسلمين، ليثأر للأمة المتخاذلة حد التواطؤ مع العدو، والمتراجعة حتى السقوط، والعاجزة حتى المذلة، ليضع اليمن سؤالا وعلامة استفاهم كبيرة، مفادها، أين العروبة؟ لماذا هذا التخاذل؟ ما الذي يمنع من اتخاذ موقف أكثر حكمة وصلابة؟ هل وصل الحال بالأمة إلى هذا العجز؟ أم أن أولئك الزعماء باتوا جزءا من المؤامرة على الأمة؟ وهذا يفتح سؤالا آخر عن حقيقة انتماء أولئك القادة للأمة! إذ لا يمكن أن يكون هذا الموقف الساقط، صادرا عن من تسري في عروقه دماء عربية، لقد أصبحوا يتلذذون، بتلك الصرخات والأوجاع. كلهم باستثناء اليمن، لا يمكن أن تنظر قيادة وشعبا، إلا بعين الألم والحسرة، لتتحرك بخطوات الإسناد والإعجاز.
لم تكن فقط قمة بغداد بهذا الخزي والعار، بل سبقتها أربع قمم أخرى ، اثنتان منهما في الرياض، لقادة العروبة والإسلام، وثالثة في البحرين، والرابعة في القاهرة، والتي أكدت على رفض التهجير، وإن كان موقفا مشكورا، لكن ماذا قبل التهجير، ألم تكن هناك قدرة على فرض حماية الغزيين، وأهالي الضفة، هل يمكن الفهم أن الرفض فقط هو أن تتحمل الدول مثل مصر والأردن، تداعيات التهجير، مع صك سماح بالقتل والإبادة داخل غزة والضفة؟!
كل ذلك ليس مقبولا يمنيا، ولن يكون في يوم من الأيام مقبولا عربيا وإسلاميا، وسيأتي اليوم الذي تتحرك فيه الشعوب، وتدفع الحكام والأنظمة، لاتخاذ مواقف أكثر جدية.
لقد نجحت القوات المسلحة اليمنية في فرض الحظر البحري على ميناء أم الرشراش المسمى صهيونياً “إيلات”، إلى درجة إغلاق الميناء بشكل كامل، ومنعت الملاحة الصهيونية البحرية في البحر الأحمر والعربي، وهددت ملاحة العدو في المحيط الهندي، في مراحل الإسناد السابقة، والتي وصلت إلى خمس مراحل، قبل وقف إطلاق النار في غزة، وتوقف تلك المراحل، ثم استئنافها مع تصعيد العدو جرائمه ونقضه لاتفاق وقف إطلاق النار، وها هي القوات المسلحة اليمنية تعود لتوسيع الحظر، ليشمل ميناء حيفا، بناء على تلك النجاحات، والتطورات، والانجازات، لا سيما بعد تحييد البحرية الأمريكية وإخراجها من المعادلة بإعلان وقف إطلاق النار في السابع من مايو، بعد فشل الولايات المتحدة في منع أو تقييد أو إضعاف العمليات اليمنية أو إضعاف القدرات العسكرية، فضلا عن فشلها في حماية الكيان أو توفير ملاحة آمنة رغم التحالف الذي شكلته واشنطن تحت مسمى “حارس الإزدهار”، وشاركت فيه بريطانيا.
فبناء على تلك النجاحات، والإنجازات، ومراكمة لعوامل الردع في وجه العدو، تعلن القوات المسلحة اليوم توسيع الحظر البحري، بعد توسيع الحظر الجوي والتأكيد على كل شركات الطيران بالابتعاد عن مطار اللد “بن غوريون” وبقية المطارات التابعة للعدو في فلسطين المحتلة، حيث إنه لن يكون هناك مكان آمن، لا للملاحة الجوية ولا البحرية.
إن من أهم الأسئلة التي تتبادر إلى الذهن اليوم، هو مدى قدرة القوات المسلحة اليمنية على فرض الحظر البحري المعلن على ميناء حيفا. وللإجابة على السؤال فمن المفيد التذكير بما يجب الإشارة إليه هنا، وهو أن أول استهداف عسكري يمني لميناء حيفا كان في يونيو 2024، إذ أعلنت القوات المسلحة اليمنية في حينه عن تنفيذ عمليتين عسكريتين، تلتها في نفس الشهر عملية مشتركة مع “المقاومة الإسلامية في العراق” استهدفت أربع سفن في ميناء حيفا باستخدام طائرات مسيرة، وعملية ثالثة على هدف حيوي بصواريخ مجنحة، ثم رابعة استهدفت سفينة نفط، والخامسة كانت على هدف حيوي بصواريخ مجنحة، وكذلك تم استهداف سفن في المتوسط ثلاث مرات بعمليات مشتركة مع المقاومة العراقية، وفي عام 2025 افتتحت القوات المسلحة يناير بعملية صاروخ فرط صوتي على محطة كهرباء جنوب حيفا، وفي الشهر الماضي أيضا استهدفت هدفا حيويا بصاروخ فرط صوتي، ثم في الخامس من مايو الجاري كان صاروخ فلسطين 2 الفرط الصوتي قد حط رحاله في قاعدة “رامات ديفيد” شرق حيفا.
واليوم ومع هذا الإعلان، تكون القوات المسلحة قد وضعت الميناء في المهداف كما هو حال المطار، الذي تلقى منذ إعلان الحظر الجوي قرابة سبعة صواريخ بالستية، كان أشهرها صاروخ الرابع من مايو، الأمر الذي انعكس في إلغاء رحلات كبريات شركات الطيران العالمية الأوروبية والأمريكية، وتأجيل تشغيل رحلاتها من وإلى مطار اللد المسمى “بن غورين”، بمُددٍ متفاوتة وصلت أقصاها إلى يونيو وسبتمبر، وعلى رأسها خطوط لوفتهانزا التي مددت التعليق لأسبوعين إضافيين حتى 8 يونيو القادم.
مؤشرات نجاح الحظر الجوي كانت بنسبة كبيرة رغم جهود العدو في منح الامتيازات للشركات لإعداة التشغيل في المطار، لكن الوضع الأمني واستمرار إطلاق الصواريخ اليمنية على المطار تحديدا، تمنع هذه الشركات من المغامرة بسلامتها وسلامة ركابها.
إن امتلاك اليمن للقوة العسكرية إلى جانب قوة الإرادة والتصميم، على إسناد غزة، والتطور الحاصل في ترسانة القوة الصاروخية وسلاح الجو المسير، يجعل اليمن قادراً على فرض الحصار جوا وبحرا، بشكل أو بآخر، وبالأخذ بعين الاعتبار مخاطبة مركز تنسيق العمليات الإنسانية لشركات الشحن الدولية بشأن مخاطر الملاحة من وإلى ميناء حيفا، وشرح بأن قرار الحظر سيتم تنفيذه بشكل مباشر باستهداف ميناء حيفا، أو بشكل غير مباشر بمنع مرور السفن من البحر الأحمر، وكذلك أي أسطول بحري يتعامل مع ميناء حيفا مهما كانت وجهته. وهذا يعني فيما يعنيه، أن القوات المسلحة اليمنية لن تكون مضطرة لفرض قرار الحظر لشن عمليات طويلة إلى الميناء نفسه، بل تكتفي بمنع السفن من المرور، بما فيها السفن التي ترتبط شركاتها بالتعامل مع الميناء المذكور، وبالتالي يزيد من فرص نجاح الحظر وتقييد وصول السفن إلى الموانئ الصهيونية على شواطئ فلسطين المحتلة المطلة على المتوسط.
سبق الحديث عن الموقف العربي الصادر عن قمة بغداد، وضعفه في مواجهة الإبادة والحصار على غزة، وليس بأقل منه سوءاً موقف قمة الرياض الخليجية مع الرئيس الأمريكي ترامب، والتي لم تخرج حتى بأي توصية لوقف الإبادة ورفع الحصار، رغم أن الآمال كانت قد عقدت على وعود وتلويح ترامب بقرار مهم في الزيارة، فُهِمَ أنه يتعلق بغزة، من حيث وقف العدوان ورفع الحصار، أو على الأقل إدخال المساعدات الإنسانية، وهو الأمر الذي لم يحصل ولم يتم نقاشه حتى بشكل فعال.
اللافت في السياق الدولي، هو الموقف الأوروبي الذي يشدد على وقف الهجوم الإسرائيلي وضرورة إدخال المساعدات إلى غزة، ويلوح القادة الأوروبيون، باتخاذ إجراءات ملموسة ضد “حكومة” الإجرام الصهيونية، وينظر على نطاق واسع داخل الكيان وخارجه، أن السماح بإدخال المساعدات بالأمس واليوم، أنه نتيجة لتلك الضغوط.
ما نريد الإشارة إليه هنا، أن القرار اليمني سيمثل رافعة ودافعا لهذا النوع من التطور في الموقف الأوروبي، وبتضافر الدوافع يمكن أن نشهد تغيرا في الموقف الإسرائيلي، سواء من الحرب وعملية “عربات جدعون”، أو بخصوص إدخال المساعدات في أسوأ الأحوال، مع أن هناك نقاشا حول خلفيات الموقف الأوروبي، وهل يحاول الغرب تحويل الأنظار عن نجاح الضغط اليمني على كيان العدو، وتسجيل النجاح للغرب! ومهما يكن، فإن ذلك أيضا سيعني أن الموقف اليمني هو الذي دفع بالغرب للبحث عن مخرج، والأهم بالنسبة لليمن، هو رفع العدوان والحصار عن المظلومين في غزة.