عصا موسى تلقف سحر أمريكا وتغرق أُسطورة عظمتها في البحر
الصمود||مقالات||فيصل الهطفي
في كُـلّ مرحلة من مراحل التاريخ، يظهرُ طاغيةٌ متجبر يسعى للهيمنة والبطش بالشعوب المستضعفة، ويشيّد مجدَه الزائف على أنقاض الأبرياء وآهات المظلومين.
وفي كُـلّ مرحلة أَيْـضًا، يبعث الله من عباده من يقفُ في وجه الطغيان، يحمل راية الحق، ويصنعُ الفارق بثباته، وإيمانه، ويقينه بوعد الله لعباده الصالحين.
وفي زماننا هذا، تتجلى صورةُ الطغيان الأكبر في الولايات المتحدة الأمريكية، بما تملكه من قواعدَ عسكرية، وأساطيلَ بحرية، وتحالفاتٍ عدوانية تقودُها بوقاحة مفضوحةٍ في سبيل الهيمنة والسيطرة، إلى جانبها الكيانُ الصهيوني الغاصب، الذي يشنّ حرب إبادة مُستمرّة على قطاع غزة منذ أكثر من عام ونصف عام، دون رادع من ضمير عالمي، أَو موقف فعّال من أنظمة عربية وإسلامية باعت نفسَها للشيطان، وسقطت في وحل التطبيع والخيانة.
لكن من وسط الركام، ومن بين أنقاض البيوت المدمّـرة، نهض اليمن، يمن السند والمدد، صوتًا استثنائيًّا في زمن الصمت، شامخًا كالطود، رافعًا رايةَ الجهاد والنصرة، ليعلن انحيازه العملي والرسمي للمظلومين في غزة وفلسطين، بقيادة السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي (يحفظه الله)، لم يكتفِ اليمنُ بإدانة لفظية، بل ترجم موقفه إلى فعل مقاوم، بفرض حصار بحري غير مسبوق على السفن الإسرائيلية، ومنع عبورها في البحر الأحمر وباب المندب والبحر العربي وخليج عدن، ليفضحَ تواطؤ العالم، ويكسر هيبة الكيان.
استشاطت الإدارة الأمريكية غضبًا، وخرج ترامب مهدّدًا ومتوعّدًا بإبادة الشعب اليمني، ولم يلبث هذا التهديد أن تُرجِمَ إلى غارات جوية مكثّـفة، استهدفت منازل المدنيين، وقتلت الأطفال، ودمّـرت الموانئ والمصانع، في محاولة يائسة لتركيع شعبٍ لا يعرف الانكسار.
لكن الرد اليمني جاء سريعًا، حاسمًا، نوعيًّا، نفذت القوات المسلحة اليمنية عمليات دقيقة، استهدفت حاملات الطائرات والبوارج الأمريكية، وأسقطت طائرات تجسس وهجوم من طراز MQ-9 وF-18، وسُجلت انسحابات واضحة للأسطول الأمريكي من مناطق المواجهة، تحت ضغط الضربات، ووقع الهزيمة.
وما إن اشتدت الضربات، حتى اضطرت الولايات المتحدة، تحت وطأة الخسائر، إلى طلب اتّفاق عبر وساطة عُمانية، أعربت فيه عن استعدادها لوقف الغارات، مقابل عدم استهداف السفن الأمريكية من قبل اليمن، وهكذا فرض اليمن معادلةَ ردع جديدةً، وأجبر أمريكا على التراجع.
لم يكن هذا النصر مُجَـرّد إنجاز عسكري، بل تحوُّلٌ استراتيجي هز أُسطورةَ الهيمنة الأمريكية، وكشف زيف سحرها الإعلامي والنفسي.
كما كشفت عصا موسى زيفَ سحرة فرعون وألقت ما صنعوا فإذا هو زائل، كذلك كانت صواريخ اليمن وطائراته المسيّرة، تبتلع سحرَ أمريكا في البحر، وتغرق أُسطورتَها إلى غير رجعة.
لقد أثبت اليمن أن الشعوب المؤمنة بالله، المتوكلة عليه، المصدِّقة بوعوده، إذَا حملت قضية عادلةً واقترنت بالإيمان والبصيرة والقيادة الربانية، فَــإنَّها قادرةٌ على صنع المعجزات وكسر الطغاة، مهما بلغ طغيانُهم وتجبُّرُهم.
اللافت أن هذا النصر لم يكن وليدَ قرار سياسي فقط، بل ثمرة وعي شعبي ناضج ومتقدم، تجلى في المَسيرات الجماهيرية، والوقفات القبلية المسلحة، والمواقف الثابتة التي عبّر بها اليمنيون عن صدق انتمائهم للقضية المركَزية: فلسطين.
إنه نصرٌ بحجم المرحلة، وصفعة مدوية للغطرسة الأمريكية، ودليلٌ ساطعٌ على أن عصا موسى –والمتمثلة اليوم في يمن الإيمان– ما تزال تلقفُ كُـلَّ سحر الطغاة، وتغرق أوهامَهم في بحر الشعوب الثائرة المؤمنة، ليأتيَ وعدُ الله: {إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ، وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ}.