الصمود حتى النصر

غزة: الإسناد والتخاذل وحسابات الربح والخسارة

الصمود||مقالات||الدكتور عبدالرحمن المختار

تحدث السيد القائد عبدالملك بن بدر الدين الحوثي، ضمن كلمته الأسبوعية ليوم الخميس الفائت، عن ما أثاره ويثيره الخونة والعملاء ومشغليهم من تباكٍ على ما أحدثه العدوان الصهيوأمريكي من تدمير للبنى التحتية المدنية.

كما تحدث عن ما أثاروه من مزاعم عن النزف المستمر لمكتسبات الشعب؛ نتيجة للموقف المشرف الذي تجسد في إسناد الشعب اليمني لأبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، ذلك الموقف الأصيل المشرف الموصوف من جانب الخونة والعملاء ومشغليهم بالمتهور، وفي كلمته أكّد السيد القائد بأن تلك المزاعم الفارغة تأتي في سياق سباق الخونة والعملاء لتقديم خدماتهم لقوى العدوان والإجرام من خلال محاولاتهم العبثية الفاشلة إيجاد أرضية بكائية داخلية على ما تتعرض له الأعيان المدنية من تدمير والمدنيين من استهداف مباشر ومتعمد من جانب المعتدين المجرمين وهذه المحاولات اليائسة البائسة من جانب الخونة والعملاء غايتها تكريس حالة شعبية تجعل من واجب الحفاظ على الأرواح والممتلكات مسألة مقدمة على واجب إسناد أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، للوصول من خلال هذه الحالة إلى حالة  تململ شعبي، يليها تذمر من استمرار التدمير للأعيان المدنية بسبب إسناد غزة، الذي لا فائدة منه وفقاً لنظرة أولئك العبيد إلا مزيداً من الأضرار والخسائر للشعب اليمني، الذي يعاني أساساً من تفاقم حالته المعيشية اليومية، وهذا ما يعتقد العملاء والخونة واهمين أنه يمكن لبكائيتهم أن تحدثه في نفسية الشعب اليمني ليتململ ويتذمر من الاستمرار في موقف إسناد غزة وما يترتب عليه من نتائج!

والواضح أن العملاء والخونة تناسوا أن إسناد أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة مطلبٌ شعبي لشعب الإيمان والحكمة، جسده قرار القيادة الثورية وأداء الجيش برًّا وبحرًّا وجوًّا، ولا مجال للمقارنة بين المصاب الناتج عن هذا الموقف المشرف للشعب وقيادته وجيشه، وبين الخسائر التي تطال مقومات حياة الشعب؛ فشعب الإيمان والحكمة يدرك تماماً أن المصاب الذي يتباكى عليه العملاء والخونة هين في مقابل الاستمرار والثبات على الموقف المساند لأبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، إلى أن يمنّ الله سبحانه وتعالى بنصره وتأييده و ﴿ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا ۗ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ﴾ وما لا يعلمه الخونة والعملاء عن شعب الإيمان والحكمة، أنه شعب لا يضعف ولا يستكين لما أصابه في سبيل الله؛ فهذا الشعب الصابر المحتسب ممن قال الله تعالى فيهم: ﴿ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ﴾.

وقد جسد السيد القائد هذا الموقف الشعبي المشرف بكل وضوح، حين بيّن أن الخسائر التي يتعرض لها الشعب تأتي في إطار الموقف الحق، الموقف الصائب دينيًّا وأخلاقيًّا وإنسانيًّا؛ باعتبار أن هذا الموقف موقف عز وكرامة، لا يمكن مقارنته بحال من الأحوال بمواقف الخزي والعار، التي عليها أولئك الخونة والعملاء، الذين خسروا ويخسرون كثيرًا وهم في موقف الباطل موقف الخزي والعار، وأنه لا مقارنة مطلقًا بين نزف الدم والمال في سبيل الله، وبين حالة الاستنزاف التي يعيشها الخونة والعملاء دينيًّا وأخلاقيًّا وقيميًّا وإنسانيًّا!

وما ينطبق على العملاء والخونة ينطبق بصورة أوضح على مشغليهم، وعلى جميع الأنظمة العربية والإسلامية المتآمرة والمتخاذلة، التي تروج للكذب والخداع والزيف والتضليل لإقناع الشعوب بأنها في موقف صائب، وأنها تعلي من شأن مصالح شعوبها وتحافظ عليها وتتجنب التهور، والتورط في مغامرات ومواقف غير محسوبة العواقب! يترتب عليها خسائر كبيرة مادية وبشرية، تجنبها أولى؛ لتناء بذلك عن المخاطر المحدقة بشعوبها وبمقدراتها وفقاً لزيفها وتضليلها وخداعها وترويجها الكاذب!

ويبدو واضحاً وجليًّا حجم الاستنزاف، الذي تسببت به المواقف المخزية والمهينة والمذلة لهذه الأنظمة، فأي كرامة أبقت لشعوبها التي تقف متفرجة مكبلة دونما حراك يذكر، وهي تشاهد بشكل مباشر ما تعرض له ويتعرض له أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة من إبادة جماعية، ودمار شامل لكل مقومات الحياة، مشاهد الأشلاء الممزقة للأطفال والنساء وكبار السن، حركت ضمائر من هم على بعد آلاف الأميال، ومن لا تربطهم بأبناء غزة سوى رابطة الإنسانية، ولم تحرك تلك المشاهد من هم بالجوار من قطاع غزة وتربطهم بسكانها أواصر الدين والدم واللغة والتاريخ والمصير المشترك والجغرافيا! لقد جمدت الأنظمة الحاكمة ضمائر الشعوب العربية والإسلامية في درجات مئوية تحت الصفر، فتآمرت هذه الأنظمة وتخاذلت، وبالنتيجة لم تتحرك الشعوب، وهذه هي الخسارة الحقيقية الفادحة، خسارة الكرامة والغيرة والنخوة والشهامة والنجدة!

وأي كرامة أبقت لنفسها هذه الأنظمة وهي تستمع للإهانات بشكل علني ومباشر، بأنها أنظمة لا تملك شيئًا سوى المال، وهذا المال وفقاً لمنطق من يوجهون لها الإهانات، إما أنها لا تحتاج إليه، وإما أنه مال زائد عن حاجتها، ويجب الاستيلاء عليه؟ وماذا أبقت هذه الأنظمة لنفسها من كرامة، وهي توصف بأنها مجرد بقرة حلوب! يجب حلبها، وحين يجف ضرعها يجب ذبحها؟ وماذا أبقت هذه الانظمة لنفسها ولشعوبها من كرامة ومن استقلال وسيادة، وهناك من يتحدث عنها بكل صراحة وبكل وقاحة بأنها غير قادرة على حماية نفسها لمدة أسبوع؟ وغير قادرة على حماية طائراتها الخاصة التي تستخدمها قيادات هذه الأنظمة في تنقلاتها الخارجية!

وأي قيم دينية وإنسانية وأخلاقية أبقت هذه الأنظمة لنفسها ولشعوبها، عندما أجبرها أسيادها على القبول بحالة الاستنزاف للدين والأخلاق والقيم الإنسانية الفطرية السليمة؟ وبدورها فرضت هذه الأنظمة على شعوبها هذه الحالة تحت عنوان ما يسمى بالانفتاح، الذي لا يقيم وزناً ولا اعتباراً لا للدين ولا للأخلاق ولا للمروءة، وليصبح التفلت من تعاليم الدين ومن مكارم الأخلاق، والاختلاط الفاضح وانعدام الحياء انفتاحاً! وأي قيمة أبقت هذه الانظمة للدين بعد أن جلبت شواذ الآفاق لإقامة حفلات الرقص الماجنة؟ في إهانة صارخة وغير مسبوقة لأعظم الأماكن قدسية على وجه الأرض! وما الذي أبقته هذه الأنظمة لشعوبها من مواردها الاقتصادية بعد أن أصبحت عائداتها تذهب سراً وعلناً إلى راعي البقر وحالبها الأمريكي القابع في البيت

الأسود؟ الذي تسوق إليه هذه الأنظمة كرهاً تريليونات الدولارات، وأبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة يموتون جوعاً وعطشاً!

أي خسارة أعظم وأشد وطأة على الشعوب من خسارة دينها وأخلاقها

وقيمها الإنسانية ومواردها الاقتصادية؟

ألم يصل إلى مسامع قيادات هذه الأنظمة جواب الإمام علي -عليه السلام- على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، عندما أخبره أن لحيته سوف تتخضب بدم رأسه، فقال عليه السلام: أفي سلامة من ديني يا رسول الله؟ فقال له صلى الله عليه وآله وسلم، نعم؛ فقال عليه السلام، إذاً لا أبالي! فلم يكن الشغل الشاغل للإمام علي عليه السلام، البحث عن وسيلة أو طريقة للنجاة، بل كان كلّ همه فحص سلامة دينه، فأي مقارنة يمكن عقدها والحديث عنها بين من تاجروا مع الله سبحانه الذين قال عنهم

جل وعلا: ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ۖ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ ۚ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ۚ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ ۚ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ هذا هو حال التجارة والمتاجرين مع الله سبحانه وتعالى، فكيف هو حال من تاجروا مع الشيطان؟ الذين وصف الله سبحانه وتعالى حالهم بقوله: ﴿فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَٰلُهُمْ وَلَآ أَوْلَٰدُهُمْ ۚ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِى الْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَٰفِرُونَ﴾ وتكرر التأكيد لحال المتاجرين مع الشيطان مرة أخرى وفي ذات السورة   فقال تعالى في آية أخرى منها: ﴿وَلَا تُعْجِبْكَ

أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ ۚ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُعَذِّبَهُم بِهَافِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَٰفِرُونَ﴾

فحالهم إذاً الحسرة والندامة والخيبة والخسارة،

وهو ما عبرت عنه الآيتان بالعذاب في الحياة الدنيا، وعذاب الآخرة أبقى وأشد وأنكى.

 لقد بات الأمر واضحاً تماماً وفقاً لمنطوق ومفهوم الآيات السابقة، وتفنيد السيد القائد أن الربح في الدنيا والآخرة لمن هم في الموقف الحق إلى جانب المظلومين في قطاع غزة، مهما كانت النتائج المترتبة على هذا الموقف، طالما أن الثمن هو المحافظة على الكرامة الإنسانية، وأن الخسارة كلّ الخسارة لأولئك المتآمرين والمتخاذلين، الذين خسروا في الدنيا كرامتهم

ودينهم وأخلاقهم وإنسانيهم، وأصبحوا عبيدًا للصهاينة المجرمين، ولا شك أن خسارتهم في الآخرة أشد قسوة وإيلامًا.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com