ضابط إسرائيلي يعترف: الحرب على غزة دينية تستند إلى نصوص توراتية محرّفة..
الصمود||تقرير||يحيى الشامي
اعتبر ضابط الاستخبارات في كيان العدو الإسرائيلي سابقاً، مايكل ميلشتاين، أن خطة “عربات جدعون” التي أعلن عنها “جيش” العدو مؤخراً لتوسيع عملياته في قطاع غزة، هي حملة أيديولوجية متطرفة تختبئ تحت غطاء استراتيجي، وليست مجرد رد عسكري على عمليات المقاومة وتحديداً حركة حماس.
وقال الصهيوني “ميلشتاين” إن هذه الحملة “لا تسعى فقط إلى تحقيق أهداف أمنية محدودة، بل تُدار بدوافع دينية وتوراتية تهدف إلى إعادة تعريف هوية كيان العدو الجغرافية والسياسية، ضمن رؤية احتلالية تستند إلى مفاهيم قدسية للسيطرة على الأرض الفلسطينية”.
وفي مقال نشرته صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية، وجّه “ميلشتاين” انتقاداً حاداً لـ”وزير المالية” في “حكومة” العدو، “بتسلئيل سموتريتش”، حيث اتهمه بأنه المهندس الفكري لتحويل الحرب على قطاع غزة إلى مشروع استيطاني أيديولوجي، يرمي لإعادة احتلال القطاع وفرض إدارة عسكرية إسرائيلية عليه.
وأشار إلى أن “سموتريتش” كان قد طرح عام 2017 خطة الحسم المعروفة، والتي تقوم على فكرة قدسية الأرض وضرورة السيطرة الكاملة عليها، بما فيها الأراضي الفلسطينية، مع التصريح المتكرر برفض أي انسحاب من قطاع غزة، والسعي لبناء مستوطنات فيه، وتشجيع سياسات “الهجرة الطوعية” – أي التطهير العرقي – للسكان الفلسطينيين.
ورغم محاولات بعض المسؤولين في الكيان تصوير هذه الدعوات على أنها استراتيجيات أمنية، أكد “ميلشتاين” أن الدوافع الحقيقية وراءها ليست أمنية، بل أيديولوجية ودينية بحتة، تستند إلى سرديات توراتية مثل عقيدة “يوشع بن نون”، التي ترى في غير اليهود خصوماً يجب عليهم الخضوع أو الرحيل، أو القضاء عليهم.
كما اعتبر أن استخدام مقولات مثل “العرب لا يفهمون إلا لغة السيطرة على الأرض” أو أن “الاستيطان يمنع الإرهاب”، هي سرديات خادعة تخدم خطاباً دعائياً يعزز الوهم بأن الاحتلال طويل الأمد لغزة يمكن أن يكون مجدياً.
وانتقد “ميلشتاين” أيضاً محاولات “حكومة” الكيان تروج حقائق مشكوك فيها، مثل إمكانية “استخدام العشائر المحلية في إدارة غزة بعد تدميرها، أو إعادة إحياء خطة ترامب القديمة لإفراغ القطاع من سكانه، بهدف خلق انطباع زائف بأن إعادة الاحتلال ممكنة ومجدية”.
وفي تعليقه على موقف مجرم الحرب بنيامين نتنياهو، قال “ميلشتاين” إنه تجنّب طوال العام الماضي الإجابة عن أسئلة حول مستقبل غزة بعد الحرب، وحافظ على غموض استراتيجي خطير، رغم تصريحاته السابقة الرافضة لإعادة الاستيطان في القطاع.
وتساءل ميلشتاين عن مدى موافقة نتنياهو على الرؤية السموتريتشية، مشيراً إلى أنه من الضروري أن يقدّم الزعيم الإسرائيلي ردوداً واضحة حول كيفية تحرير الأسرى الإسرائيليين في حال توسع الحرب، وكيفية تحمل الكلفة الباهظة لإدارة منطقة مدمرة يسكنها مليونا فلسطيني يرفضون الاحتلال، إضافة إلى المقاومة المسلحة المستمرة التي ستواجهها قوات العدو.
كما حذّر “ميلشتاين” من أن الحرب الحالية تُشن “بدون إجماع شعبي واضح، وبلا أهداف استراتيجية محددة، وبغياب الثقة العامة بقيادة نتنياهو، ما يفتح المجال أمام انقسامات داخل الصهاينة، وتمزق نسيجهم الاجتماعي”.
وأكد أن الحملة الحالية “تختلف جذرياً عن الحروب السابقة التي خاضها الكيان في أعوام 1948 و1956 و1967 وحتى 1982، حيث لم تكن تلك الحروب مرتبطة بمشاريع استيطانية دائمة، بينما خطة “عربات جدعون” تطمح إلى فرض وجود استيطاني دائم في قطاع غزة، وهو أمر لم يسبق له مثيل.
وأضاف “ميلشتاين” أن تنفيذ هذه الخطة سيكون بداية لانقسام عميق داخل “المجتمع الإسرائيلي”، لأن غالبية الجمهور هناك لا يتبنى الرؤية الدينية المتطرفة التي يسوقها “سموتريتش” ويحاول تقديمها على أنها مشروع “وطني” شامل.
كما وجه سؤالاً حساساً في مقاله قائلاً: لماذا لا يشن العدو الإسرائيلي حرباً ضد إيران، وهي تمتلك تهديداً وجودياً حقيقياً يتمثل في البرنامج النووي، أكثر مما تمثله حماس؟” ، وأجاب بأن ذلك يعود إلى أن الدافع الأساسي وراء الحرب على غزة ليس إستراتيجياً، بل أيديولوجي بحت.
وختم “ميلشتاين” مقاله بتحذيرٍ شديد اللهجة، قائلاً: “إذا مضى نتنياهو ومن معه قدماً في تنفيذ خطة “عربات غدعون”، فإن هذا سيكون حدثاً تاريخياً سيغيّر حياة الإسرائيليين بشكل جذري، لأنه يطرح رؤية أيديولوجية تضع الدين فوق السياسة، وتسعى لفرض واقع جديد على الأرض.”
ودعا إلى بلورة ما قال إنه “خطاب وطني” واضح حول مستقبل كيان العدو كـ”دولة واحدة أم دولتين” حسب تعبيره، وتحليل العواقب المترتبة على الانزلاق نحو واقع ما تسمى “الدولة الواحدة متعددة القوميات”، الذي تدفع نحوه سياسات الضم والاستيطان المتسارعة.
لم تكن تصريحات الضابط الصهيوني هي الأولى في هذا السياق، فسابقاً كانت وثائق مسربة من أرشيف كيان العدو قد أشارت إلى الأدلة التاريخية والسياسية على أن المشروع الصهيوني لم يقتصر على إنشاء كيان في فلسطين فقط، بل يمتد ليشمل أهدافاً توسعية تطال جغرافياً واسعة في المنطقة، وتستند إلى تفسيرات أيديولوجية ودينية محرفة تُستخدم لتبرير هذه التوسعات.
كشفت وثائق مسربة من ما يُسمى وزارة الاستخبارات الإسرائيلية عن نوايا حقيقية لإحداث تحول ديموغرافي قسري في قطاع غزة، بما يتضمن تهجير جزء من سكانه بعد تدمير البنية التحتية وتحويل القطاع إلى منطقة غير صالحة للعيش. هذا التوجه ينسجم تماماً مع مشروع أوسع يهدف إلى إعادة تشكيل الخارطة الجيوسياسية للمنطقة تحت غطاء “القدسية التوراتية”، كما يظهر جلياً في الخطة المعروفة باسم “عربات جدعون” التي تُدار بدوافع أيديولوجية ودينية مستمدة من النصوص التوراتية المحرفة.
وهو ما جاء حرفياً في حديث ضابط الاستخبارات السابق المذكور آنفاً من أن الحرب الحالية ليست مجرد رد عسكري على مقاومة حماس، بل تُدار ضمن رؤية أيديولوجية توراتية تستند إلى عقيدة “يوشع بن نون”، التي تفرض هيمنة يهودية مطلقة على الأرض والسكان غير اليهود، مع دعوات صريحة للاستيطان الدائم، و”تشجيع الهجرة الطوعية” – أي التطهير العرقي – للسكان الفلسطينيين .
ولا تتوقف هذه المخططات عند حدود فلسطين، بل تمتد لتشمل مناطق أخرى مثل سوريا ولبنان، حيث يسعى كيان العدو الإسرائيلي لتطبيق مشاريع توراتية مثل “مشروع داوود”، الذي يستهدف إنشاء “دولة” صهيونية ممتدة من نهر الأردن إلى المتوسط، عبر تفتيت الدول العربية وخلخلة النسيج المجتمعي فيها. وقد ظهرت مؤشرات على ذلك في العديد من الوثائق والتسريبات التي تناولت الاستراتيجيات الإسرائيلية في المنطقة، فضلاً عن التصريحات الإعلامية التي وردت على ألسنة مسؤولين صهاينة من بينهم المجرم سموتيريتش.
في السياق ذاته كشفت وثائق مسربة عن اجتماعات ما يسمى المجلس العسكري المحدود في كيان العدو خططاً ترمي إلى تنفيذ عمليات تهجير واسعة، وإعادة توزيع ديموغرافي في أعقاب الحرب الحالية، ضمن ما يُعرف بـ”المشروع الكبير” الذي يهدف إلى إعادة تشكيل الواقع السكاني والجغرافي في فلسطين المحتلة.
كل هذه المعطيات تؤكد أن المشروع الصهيوني ليس مشروعاً سياسياً عابراً، بل هو مشروع إحلالي طويل الأمد، يعتمد على التشريع الديني المحرف، ويجد في الدعم الأمريكي الغربي الغطاء السياسي له، ما يجعله خطراً حقيقياً لا يهدّد الشعب الفلسطيني فقط، بل الأمة الإسلامية والعربية ككل، بكونه يشكل تهديداً وجودياً للأمن القومي العربي والإسلامي. والجريمة الوحشية التي يرتكبها كيان العدو حالياً في قطاع غزة، والتي وصفها عدد من الخبراء والمراقبين الدوليين بأنها إبادة جماعية، تُعدّ دليلاً ساطعاً على طبيعة هذا المشروع التوسعي الإخضاعي، الذي لا يكتفي بسلب الأرض، بل يهدف إلى محو الهوية، واستبدال شعوب بأخرى، تحت شعار قدسية الأرض وملكية من يسمونه “الشعب المختار”، وهو ما يُعتبر تفسيراً محرفاً للنصوص الدينية استُخدم لخدمة مشاريع التوسّع والاستعمار.
ويتزامن هذا التوجه مع مساعٍ إسرائيلية مدعومة أمريكياً لتفتيت دول أخرى، كما يظهر جلياً في التدخلات المشبوهة في العراق، حيث تعمل مخططات تهدف إلى إعادة اليهود العراقيين إلى أراضيهم القديمة، وشراء ممتلكاتهم ضمن مشاريع استيطانية جديدة تهدد وحدة الدولة الوطنية العراقية. كما تشير وثائق مسربة إلى محاولات إسرائيلية للعب دور محوري في توجيه الصراعات الداخلية في سوريا ولبنان، بهدف تأجيج الفوضى وتفكيك النسيج الاجتماعي في هذه الدول.
في هذه الصورة الشمولية الواضحة يمكن فهم ما يجري اليوم في غزة باعتباره حلقة في سلسلة مشاريع توسعية، تهدف إلى إقامة “الصهيونية الكبرى” التي تتجاوز حدود فلسطين التاريخية، وتتعدى إلى كامل المنطقة من خلال سياسات التهجير، والسيطرة العسكرية، والتشريع الديني المزوّر، والاستناد إلى تحريفات دينية تنسب زرواً الى التوراة. وهذا ما يستدعي من الأمة العربية والإسلامية وقوفاً حاسماً أمام هذا المشروع الخطير، قبل أن يصبح واقعاً لا يمكن التخلص منه