الصمود حتى النصر

أصداء العدوان على الحديدة ترسم صورة معاكسة لآمال العدو الإسرائيلي: لا يمكن إنهاء التهديد اليمني

الصمود||تقرير||

على عكسِ صورةِ “الردعِ” التي كان يأمُلُ العدوُّ الصهيوني رسمَها من خلال عدوانِه على محافظة الحديدة، أمس الاثنين؛ فقد جاءت غاراتُه الاستعراضيةُ والإجرامية محاطةً باعترافاتٍ وتعليقاتٍ عبَّرت عن يأس واضح فيما يتعلق بإمْكَانية تحقيق تأثير فعلي على الموقف اليمني المساند لغزة، أَو تجاوز الصفعة الاستراتيجية المدوية التي مَثَّلتها الضربةُ غيرُ المسبوقة على مطار اللِّد [بن غوريون] وهو يأسٌ كانَ قد برَزَ بوضوحٍ في واجهة المشهد قبلَ شَنِّ العدوان الجديد؛ الأمرُ الذي يرسمُ صورةً معاكسةً تمامًا للتحَرُّك الصهيوني ضد اليمن.

تزامُنًا مع شَنِّ الغارات العدوانية على المنشآت المدنية في محافظةِ الحديدة، صَرَّحَ مسؤولون أمنيون في كَيانِ العدوّ بأنهم “لا يتوقَّعون” أن تؤدِّيَ تلك الغاراتُ إلى وقفِ إطلاقِ الصواريخ والطائرات المُسيَّرة من اليمن على كيان العدوّ، وهو ما كشف بوضوح انخفاض سقف التحَرّك الصهيوني ضد اليمن، وأكّـد أن أقصى ما يأمله العدوّ من تلك الضربات هو “التنفيس” عن ضغط ضربة المطار، ومحاولة إزاحة التأثيرات المتعاظِمة لتلك الضربةِ عن واجهة المشهد قليلًا واستبدالها بمشاهدَ أُخرى تحاولُ إقناعَ قطعان المستوطنين بأن هناك “ردَّ فعل” ما، بغَــضِّ النظر عن كونه غيرَ مؤثِّر تمامًا.

ومع ذلك فَــإنَّ انعدامَ تأثيرِ الغارات سيتصدَّرُ واجهةَ المشهد أكثرَ من صور الحرائق في ميناء الحديدة ومصنع إسمنت باجل؛ لأَنَّ هذه الصورَ قد تكرّرت سابقًا، لكن هجمات مثلِ تلك التي ضربت مطار اللِّد وشلت حركته، هي تطورات جديدة لا يزال أُفُقُها مفتوحًا.

وفي هذا السياق نقلت صحيفةُ “معاريف” العبرية عن المقدَّم (احتياط) أميت ياغور، المسؤولِ في المخابرات البحرية الصهيونية، والنائب السابق لرئيس الساحة الفلسطينية في قسم التخطيط بجيش العدوّ قوله: إن “هُجُومًا آخرَ في منطقة تعرَّضت لهجومٍ من قِبَلِ الولايات المتحدة منذ عدةِ أسابيعَ وفي ميناء تعرَّضَ بالفعل لهجومٍ سابقٍ من قِبَلِ (إسرائيل)، لن يخلُقَ رادعًا ضدَّ إطلاقِ صاروخٍ آخر على مطار (بن غوريون)”.

واعتبر القائدُ السابقُ لقوات الدفاع الجوي بكيان العدوّ، زفيكا هيموفيتش، لصحيفة “إسرائيل هيوم” أن الغاراتِ على اليمن “جاءت متأخرةً واضطراريةً ولن تؤدِّيَ إلى تغييرِ سُلُوك اليمنيين” في إشارةٍ واضحةٍ إلى أن “العدوانَ انطلق من واقع مأزِق صعبٍ تعيشُه قيادةُ كيان العدوّ ويجعلُها بحاجةٍ ماسَّةٍ إلى فعلِ أي شيء حتى لو لم يؤدِّ إلى أيةِ نتيجة.

وفي السياف نفسه، يرى المحلل العسكري في موقع “والا” العبري، أمير بوحبوط، أَيْـضًا أن “مستوى التهديد الذي يشكله اليمن قد سبق الإجراءات التي يتخذها العدوّ الآن، بحيث لم يعد للعدوان على اليمن قيمة”.

ووفقًا له، فَــإنَّه “يجبُ التساؤلُ عن غِيابِ خُطَّةِ هجومٍ طارئة مسبقة ضد اليمنيين الذين يجمعون بين النية والقدرة على الإضرار بـ (إسرائيل)، وهو ما يشبه الأسئلة الصعبة التي تم طرحُها بعد الهجوم القاتل التي شنَّته حماس في السابع من أُكتوبر”.

وَأَضَـافَ أنَّ “التهديدَ اليمنيَّ خطيرٌ للغاية، وتؤكّـدُ المؤسّسةُ الأمنية أنه كان من الأفضل استثمارُ المزيد من الاهتمام والموارد في التعامل معه، حتى في إطار تحالف إقليمي، بمُجَـرّد أن تم رفعُ رايةٍ تدعو إلى تدمير (إسرائيل)”.

أَمَّا الآنَ وقد تم رفعُ تلك الراية وباتت التهديدُ ملموسًا، فَــإنَّ الغاراتِ لم تعُد مؤثِّرةً، حَيثُ يؤكّـدُ بوحبوط أَنَّهُ “من المستحيل تجاهُلُ التهديد الذي يحومُ فوقَ الجبهة الداخلية الإسرائيلية، والقادر على شَلِّ المطار الدولي الوحيد في (إسرائيل)، ويجبُ أن يتساءلَ المَرْءُ كيف تطوَّرَ هذا التهديدُ في نِطاقِ 2000 كيلومتر، دون أن يُعطَى الموساد والمخابراتُ العسكرية الأولويةَ في التعامل معه، برغم أن رئيس الأركان، الفريق إيال زمير، قد كتب عن تهديد الحوثيين في وقت مبكر من عام 2018، كجُزءٍ من دراسةٍ حول التهديدات والسياسة في الشرق الأوسط”.

ولم تقتصرِ التعليقاتُ والاعترافاتُ على تأكيد حقيقة انعدام تأثير العدوان الصهيوني ضد اليمن، بل شرحت مواطن العجز التي تقف وراء انعدام التأثير، حَيثُ أعادت القناة العبرية الثانية عشرة التذكير بأن المعلومات الاستخباراتية عن اليمن لا تزالُ تشكِّلُ “تحديًا حقيقيًّا تواجِهُه المؤسّسةُ الأمنيةُ” مشيرةً إلى أن جيشَ العدوّ “مضطرٌّ للتعاوُنِ مع الأمريكيين الذين يواجهون نفس المشكلة”!

وكالعادة، فَــإنَّ الحديثَ عن المشاكلِ العملياتية الجوهرية التي يواجهُها الأمريكيون والصهاينةُ فيما يتعلَّقُ بالتعامل مع جبهة الإسناد اليمنية لغزة، لا يخلو من التعبير عن الحاجةِ إلى التنسيقِ والتحالُفِ مع الأنظمة الإقليمية المعادية لليمن، كالسعوديّةِ والإمارات؛ باعتبَارهما قواعدَ عمل قريبةً من اليمنِ وكذلك هما مموِّلان رئيسيان لتجنيدِ المرتزِقة؛ مِن أجلِ تعويضِ العجزِ الهائل للقوة الجوية الأمريكية و”الإسرائيلية”.

لكن هذا “المخرَج” المُتَوَهَّم من المأزِقِ مسدودٌ أَيْـضًا بمخاوفِ السعوديّين والإماراتيين من تداعيات التصعيد، وعدم ثقتِهم بالولايات المتحدة الأمريكية، بالإضافة إلى حقيقةِ أن حتى هذا المسار نفسَه لن يضمنَ تحقيقَ النتائج المرجوَّة.

وبالجُملة، فَــإنَّ أصداءَ العدوان الصهيوني على اليمن لم ترسمِ الصورةُ التي أراد قادةُ كيان الاحتلال رسمَها، بل يمكن القولُ إنها عزَّزت الصورةَ التي كانوا يريدون التخلُّصَ منها، وهي صورةُ التهديد اليمني المتعاظم والمعقَّد والذي لا يمكنُ إيقافُه إلا بوقفِ الإبادة الجماعية على غزة، وهو العنوانُ الذي ستفرضُه العملياتُ اليمنيةُ القادمةُ بشكلٍ أكبرَ على المشهد؛ لكونها ستبرهنُ بشكلٍ عمليٍّ أن الثمنَ الذي يفرضُه اليمنُ على العدوِّ لا يتم تعويضُه بأية غارات، وأنه من غيرِ الممكن تحمُّلُ تصاعُدِ هذا الثمن في ظل واقعِ الفشلِ الثابتِ في غزة.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com