الصمود حتى النصر

الإرادة في فلسفة التهاميين

الصمود||مقالات||الشّيخ علي حمادي العاملي*

لم يتصوّرْ بناةُ الأساطيل الأمريكية يومًا أنها ستعاني من دوار البحر ويصيبها الوهن واليأس في يَمّ أولي البأس. ظنّوا كما ظنّ صانعُ التايتانيك أنها لا تغرق. ولم يتصوّر الخمسة زائد واحد، ولا الدول التي تسمّي نفسها بالعظمى أَو المجتمع الدولي أن خريطة العالم ستُرسم من جديد من مداد بحر الحفاة.

تحوّلت معركة اليمن لإسناد فلسطين ومنع مرور أية سفينة إلى موانئ الكيان، تحولت إلى حرب حقيقية بكل ما للنار من معنى ضد العدوّ الأول الشيطان الأكبر في أدبيّات “المحور”، ومرة جديدة يتذلل تفوّق القوى الظاهري أمام الإرادات الباطنية.

الإنسان هو الإرادَة. حقيقته هي إرادته حسب بعض الفلاسفة. تحدّث عنها المهاتما غاندي فقال القوة لا تأتي من مقدرة جسمانية، بل تأتي بها إرادَة لا تُقهر. أما إرادَة اليمني التي تحملها القلوب وتعجز عن حملها قناطير وأساطيل، فهي نوع مختلف. يشهدها العالم اليوم في البر والبحر.

تعترف الولايات المتحدة تباعًا بنجاح الهجمات اليمنية على بوارجها وقطعها البحرية وآخرها سقوط طائرة حربية من طراز إف18 التابعة لحاملة الطائرات ترومان إثر هجوم يمني أجبرها على التراجع وأسقط إحدى طائراتها الأحدث والأغلى في العالم. تكلفة باهظة للعدوان الأمريكي مقابل الفشل في تحقيق الهدفين المعلنين تأمين سلامة الملاحة البحرية للسفن الإسرائيلية والأمريكية، واستعادة الردع، فضلًا عن فشله في منع اليمنيين من استهداف الكيان بالصواريخ البالستية والمسيّرات. إن إصرار اليمن على موقفه الإنساني والعَقَدي في دعم القضية الفلسطينية جعله المؤثر الأكبر في بقاء القضية في الواجهة ووضع سدود كبيرة أمام مشروع الشرق الأوسط الجديد- القديم، والهيمنة الأمريكية، وزحف الأعراب على تراب التطبيع.

تؤكّـد الانتصارات النوعية التي يحقّقها أنصار الله تنامي قوة اليمن على مستوى الدفاع الجوي والقوة البحرية وكذلك على مستوى جمع المعلومات ورصد العدوّ. ومن جهة ثانية تؤكّـد كذب ادِّعاءات الولايات المتحدة بأن هجماتها أضعفت وتيرة وفعالية هجمات الحوثيين. هذه المعارك ترسم مشهدًا يمكن تصوّره في حال أقدمت الولايات المتحدة على ضرب إيران عن حجم الدمار والخسائر التي ستتعرض لها أساطيلها وقواعدها في المنطقة، وُصُـولًا إلى إغلاق مضيق هرمز، ودخول العالم في خراب يشبه عقل رئيسٍ مصاب بجنون العظمة ومدمن على الصفقات ورائحة الدولارات.

وسواءٌ أكانت الضربة الأمريكية الاستباقية موجهة فعلًا لليمن لتقويض قوته وقدراته في إطار دفاعها عن الكيان الصهيوني، أم كانت رسالة لإيران لإجبارها على التفاوض من خلال استعراض قدراتها في اليمن، ففي الحالين أوقع ترامب نفسه في مأزق البحر الأحمر؛ لأَنَّه حتمًا لم يقرأ تاريخ الحضارة اليمنية وتجاربهم ضد الغزاة والمعتدين، أَو اغترّ بأساطيله وتوهم أنها قادرة على فرض الإرادَة الأمريكية على إرادات اليمنيين كما حصل في غير مكان في العالم المحكوم للدولار والاستكبار.

يمكن لترامب أن يجعل زيلنسكي يجلس أمامَه صاغرًا كتلميذٍ معاقب، ويمكن أن يفعل الشيء نفسه مع مسؤولين وزعماء أُورُوبيين وعرب، ويمكن أن يعلن الحرب على غزة، أن يهدّد بضرب إيران، ولكن في المحور يوجد إرادَة لم تصل الصناعات العسكرية الأمريكية إلى سلاح يكسرها. هذا الشعور الداخلي في قلب الإنسان كما وصفه الفلاسفة ما زال سرًّا عميقًا من أسرار النفس الإنسانية. لو اطلع الفلاسفة المنكرون لحقيقة الإرادَة القادرة على التغيير في هذا المخلوق الحرّ، لو اطلعوا على أهل اليمن لخرّوا سُجّدًا لهذه القوة الماورائية. لو تحول شعور وإرادَة هؤلاء الحفاة إلى كلمات لن تكون سوى شعارهم: الموت لأمريكا الموت لـ(إسرائيل) اللعنة على اليهود النصر للإسلام.

فحين يجتمع عزم القلب مع نور العقل مع عقيدة راسخة رسوخ جبال تُهامة بنصرة المظلومين حتى لو كنت أكثرهم مظلومية، ويضاف إليها القدرة على الفعل والروح القتالية القادرة على الصمود والمناورة رغم الحصار والاستهدافات وفارق القوى، إذَا اجتمع كُـلّ ذلك فنحن أمام نشيد هادر ونفيس وجدير بالنصر والخلود، ويحقّ لأهل العزم أن يقولوا:

“ردّدي أيتها الدنيا نشيدي”.

* كاتب لبناني

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com