الصمود حتى النصر

من رماد الفشل إلى وهم السيطرة.. المشروع الصهيوني يتبدد

الصمود||تقرير||

منذ تأسيس الكيان الصهيوني كأداةٍ احتلاليةٍ في قلب الأمة، ظلّ يمارس دوره الوظيفي كقوةٍ ضاربةٍ تحمي المصالح الغربية في المنطقة، بدايةً من بريطانيا العظمى التي هندست النكبة الأولى، مرورًا بأمريكا التي تولت الرعاية والدعم الكامل.

لم يكن تأسيس هذا الكيان الوظيفي حدثًا عابرًا، بل كان انغراسًا مدروسًا لمشروعٍ تفكيكي طويل الأمد يستهدف وحدة الأمة، ويمتد بأذرعه متوغلًا نحو عمقها الأمني والاقتصادي والثقافي، وهويتها الدينية وموروثها الحضاري.

“الجيش الذي لا يُقهر”.. كذبة كبرى اسقطها الطوفان:

لسنواتٍ طويلة، رُوجت خرافة “الجيش الذي لا يُقهر”، بعد معاركٍ سيّرت فيها الجيوش العربية ضمن مخططٍ استعماري محكم، في حروب (48 و67 وما تلاها)، لأن بعض تلك الجيوش كانت بإمرة الضباط البريطانيين، وبعضها الآخر أُريد له أن يُهزم ليكرس في الوعي الجمعي العربي فكرة الاستسلام أمام القوة الصهيونية التي لا تقهر.

لكن هذه الأكذوبة -وإن استمرت على مدى 75 عامًا- إلا أنها انهارت تدريجيًا على أعتاب ضربات قوى الجهاد والمقاومة، من غزة إلى بيروت، ومن بغداد إلى صنعاء.

وشكلت معركة طوفان الأقصى الملحمية 2023م، تحولًا تاريخيًا هامًا، أُجبر فيها كيان الاحتلال على تلقي ضربة بحجمٍ زلزالي، كشفت هشاشته الأمنية، وضربت عمقه السياسي والعسكري والمجتمعي، وأحرجت داعميه في واشنطن ولندن وعواصم أخرى.

هذا الحدث التاريخي جاء بمثابة إعلان فشلٍ استراتيجي لكلٍ من مشروع “إسرائيل الكبرى” و”الشرق الأوسط الجديد”، بعد سنواتٍ طويلة، عاشت الأمة أسطورة هذا “الجيش وهذا التفوق”، حتى جاءت لحظة العبور العظيم، لتنسف تلك الأسطورة من جذورها.

هذا التحول المفصلي، والانتقال من حالة الردع إلى العجز، بعد عقودٍ من العربدة العسكرية الصهيونية، دعمته عوامل الردع الجديدة، التي رسّختها قوى الجهاد والمقاومة في فلسطين واليمن ولبنان، وأسقطت نظرية “الضربة بلا رد”، وأدخلت الكيان في مرحلة الدفاع عن نفسه أمام ضرباتٍ تتجاوز الجغرافيا.

وبات واضحًا أن المشروع الصهيوني في خطرٍ وجودي، ومعه ارتبكت واشنطن ولندن، وسارعتا لمحاولة إعادة ضبط المعادلة.

   مشروع إعادة الترميم للكيان الوظيفي:

بجرأة المحتل المتغطرس ووقاحة المهزوم الحاقد، تحاول أمريكا إعادة إنتاج “إسرائيل” كأداةٍ احتلاليةٍ متقدمة، بعد أن أُصيبت بالعطب الاستراتيجي إثر الطوفان، وما تلاه من ارتدادات عسكرية وأمنية واقتصادية هزّت قلب الكيان، من خلال إطلاق مشروع ترميم شامل.

وفيما لم يعد جيش العدو قادرًا على الحسم أو الردع، ولا على خوض حرب دون شراكةٍ أمريكيةٍ مباشرة، بات في بعض الجبهات عاجزًا عن استعادة هيبته حتى في اشتباكاتٍ بحرية مع القوات المسلحة اليمنية، ناهيك عن فشله في فرض شروطه على غزة.

اليوم، تبدو الإدارة الأمريكية وكأنها تحاول استنساخ ذات المعادلة القديمة، من خلال تبني رؤية الاحتلال والدفع نحو تأهيله من جديد، وتتصرف وكأنها شرطي العالم، يضرب بيدٍ من حديد، ويقود مشروعًا تطبيعيًا اقتصاديًا سياسيًا يُعيد ترتيب المنطقة بدافع استعادة الهيبة والهيمنة.

فعليًا بدأت عمليات إعادة الترميم، من الدعم الأمريكي غير المشروط لحرب الإبادة والتطهير العرقي على غزة، في ظل غياب أيّ مسارٍ أممي دبلوماسي أو إنساني جاد أو سياسي أو حل منطقي، وتواصل التنسيق العلني والمباشر في الضربات الأمريكية البريطانية ضد اليمن.

وانتهاءً بالتمهيد الأمريكي لمشاريع اقتصادية كبرى بالتعاون مع أنظمة عربية وإسلامية متواطئة، تسعى لتحويل الكيان الصهيوني إلى مركز ثقل اقتصادي، كمشروع “الممر الاقتصادي” الجديد من الهند إلى أوروبا عبر الأراضي المحتلة، والذي يعتبر جسرًا للتطبيع الإجباري، وتمكين الكيان من التحكم في قلب المنطقة.

إعادة تأهيل الجريمة.. مظاهر ومؤشرات:

السياسات الأمريكية القائمة لا تفتح أبواب السلام، بل تقود إلى تفكيك النسيج العربي والإسلامي، في إطار مشروع يهدد وحدة دول المنطقة وهويتها، ويغذّي الفوضى لتبرير التدخلات الخارجية، ويفرض الكيان كخيارٍ وحيد للشراكة الاقتصادية والتقدم التكنولوجي.

تأهيل الكيان لا يأتي تهديدًا للفلسطينيين وحدهم، بل للأمة، عسكريًا وسياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا، لأن الهدف؛ هو صياغة شرق أوسط جديد مُعاد تشكيله، بلا مقاومة، بلا استقلال، بلا طموحات، وبما يضمن الهيمنة الأمريكية والغربية، في سياق مشروع تقسيم وتدمير وتطبيع قسري، عنوانه الاستسلام.

لذا تتقدم اليمن الصفوف، قيادةً وشعبًا وجيشًا، في مواجهة هذا المشروع الاستعماري القديم الجديد، معتبرةً أن كسر شوكة “إسرائيل الجديدة” واجب ديني وأخلاقي، وأن دعم المقاومة الفلسطينية؛ هو دعمٌ لمستقبل كل الأحرار في العالم.

إذن.. المعركة مستمرة، لا في الميدان فقط، بل في الوعي، والإعلام، والثقافة، والسياسة، وأمام هذا المشهد، يصبح كل صوتٍ حر، وكل قلمٍ مقاوم، وكل فعلٍ شعبي داعم، جزءًا من المعركة، كونها لحظة تاريخية لا تحتمل التقاعس أو الحياد، فإما أن نكون جزءًا من مشروع الهيمنة، أو جبهة واحدة في معركة الكرامة والتحرر.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com