الصمود حتى النصر

لماذا هذه المكانة للرسول؟!!

بقلم/ حسن بن فرحان المالكي
أولاً: اللهم صل وسلم وبارك وترحم على حمد وعلى آل محمد.
ثانياً: سؤال يراود الكثيرين – وخاصة الذين لا يلمون سنة الله في ابتلاء الخلق وتمحيصهم- قائلين: ولكن لماذا هذه المكانة؟!
يعني بصراحة يرون أن الله قد أعطى النبي فوق ما يستحق، من أمور سيأتي بيانها- وبعضهم ألحد بسبب هذه الحقوق التي لم يعرف سرها الإلهي- فهذه الحقوق عندهم تشكك في رسالته!
إذ عندهم، كيف يقرن الله اسم رسوله محمد مع اسمه تعالى في الشهادتين والأذان والتشهد في الصلاة ، بل السلام والصلاة تكرر في التشهد الأول والثاني على النبي محمد وآله، وكيف منع الله التقدم بين يدي رسوله، وأمر بطاعته كما يطاع الله، وهدد بإحباط الأعمال لمن يرفع صوته فوق صوت النبي وأعطاه الخمس والفيء وأجاز له ما لا يجيز لأحد…الخ، بل أعطى أهل بيته أيضاً الصلاة عليهم معه ونصيبهم في الخمس وأمور أخرى-
ثالثاً: هذه الأسئلة من المشروع طرحها- وكل سؤال صادق مشروع- سواء عن الله أو دينه أو كتابه أو رسوله.. والذي يمنع طرحها هي الوسوسة الشيطانية – وباسم الدين- حتى لا تكتشف أسرار الله في خلقه ولا تعرف سننه، ولا تستطيع أن تجد العلم (المخفي وأسرار الله في خلقه) إلا بمثل هذه الأسئلة الصادقة
نعم لهذه الأسئلة مفسدات، وأكبر مفسداتها التكبر، أي طرحها بكبر وعصبية وحسد ..الخ، لا تسأل تكبراً، فالله لا يهدي المتكبرين إلى أي جواب صحيح، وإنما يضل الله المتكبرين بكبرهم كما أضل إبليس بكبره مع أنه كان من أعبد الخلق، فالكبر عدو الله الأكبر، ومن الكبر تنتج كل المفاسد من كذب وظلم وإفساد وانحراف عن منهج الله ورضواه، فلا يتيح لك الكبر الوصول إلى أي جواب كامل.
نعم بهذه الأسئلة الصادقة سيتم التعرف من خلالها على أسرار الله في خلقه وخاصة سنته الأولى فيهم وهي ( الابتلاء بمشتقاته من التمحيص والفتنة والتمييز والاستدراج ..الخ)
رابعاً: سنة الله في خلقه ليست هدايتهم جميعاً ({لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا } [الرعد: 31] ) لابد أن تعرف هذه الحقيقة أولاً ؛ التي لا يعرفها أكثر المسلمين
وإنما سنة الله في خلقه ابتلاؤهم جميعاً
تمحيصهم جميعاً
تمييزهم جميعاً
ليتميز الخبيث من الطيب – وكل هذه لها أدلتها القر’نية كما سيأتي، ولها أسرارها الإلهية.
خامساً: ثم يستعمل الله هذا الطيب ( وإن قل) في طريق طويل جداً لا ينتهي بالوصول إلى الجنة، وإنما يتجاوز ذلك إلى رضوان الله، وإذا دخل الإنسان في رضوان الله، لعل له وظائف أخرى أكبر من وظائف الملائكة، فلن يأمر الله الملائكة بالسجود لآدم إلا لوجود سر في هذا المخلوق (آدم ) يتجاوز منزلة الملائكة، ويفتح لها أسرار الزمن القادم السحيق في الأبد، وهذا موضوع آخر قد نفصله لاحقاً
دعونا الآن في تلخيص الأسئلة السابقة في سؤال وهو:
لماذا هذه المكانة لرسولنا محمد صلوات الله عليه وسلامه على آله، الذي هو عبد من عبيد الله، أرسله الله برسالة ليبلغها ، فما الذي جعله يشترك مع الله في وجوب الطاعة والاتباع والمحبة ودخوله في الشهادة والأذان والتشهد ..الخ أليس هذا من الشرك؟
وكما قلنا أن بعض المسلمين، وخاصة الشباب، يسأل عن ( سر ) هذه المكانة العظيمة (لرسول الله) صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله
بل بالغ بعض الناس فأخذوا يرددون عبارات – غافلة عن السر الألهي – قائلين:
كيف ينادى باسمه مع اسم الله في اليومن خمس مرات؟
هل من العدل أن يهدد الله بإحباط الأعمال لكل من رفع صوته فوق صوت النبي؟
كيف يمنع الناس من الزواج بزوجاته من بعده بينما هو يتزوج في العرب؟
لماذا الخمس والفيء والحقوق والامتيازات ..الخ
ويواصل بعضهم مستنكراً:
كيف يحصل كل هذا وما ما هو إلا ساعي بريد، يوصل الرسالة ويكفي!
وبعضهم حصر محبته في ( طاعته فقط) طاعة جافة بلا محبة ولا وجدان ولا عاطفة، وبعضهم قال بجواز معارضته ومعصيته لأنه فقط مجرد مبلغ، وليس له من ألأمر شيء! وأننا قد نفهم الشرع أكثر منه – وهكذا يخلطون الأمور حقها بباطلها – وبهذا يحرمهم الله العلم بأسرار سنته في خلقه وغاياته من هذه الخصائص التي يعطيها رسوله صلوات الله عليه، يحرمهم الله بسبب واحد وهو ( الكبر) المانع من التعلم، الكبر الذي يضاهي به هذا العبد المسكين ربه، ويحاول أن يجعل نفسه مسامية لله في العلم والحكمة والخبرة واللطف ..الخ، وينسى أن الله يمحص عباده بمثل هذه الأمور التي – لو درسها بتواضع لعلم سر تشريع الله لها-..
تعالوا نحاول الإجابة، ولابد من العودة للبداية..
فللإجابة على السؤال:
تعالوا نتعرف – بهدوء وتساؤلات متواضعة- على سنة الله وسره وحكمته المتعلقة ببني آدم..
ولنبدأ مع العلاقة الأولى بين الله وبني آدم في ثلاث مراحل قبل هبوطه إلى الأرض، وسنجد ثلاثة أمور في غاية الأهمية
من هذه الأمور الثاثة قد نتعرف على البدايات والأسرار الأولى، نتعرف على شيء من حكمة الله وأسراره في اختبار وتمحيص هذا المخلوق الجديدمع اختبار وتمحيص اثنين من أرقى المخلوقات قبله ( أعني الملائكة وإبليس) بحكم أنهم أرفع المخلوقات يومئذ – فالنبات والجماد والجان مخلوقات أدنى-:
الأمور الثلاثة التي كان بها اختبار ( الثلاثة) ، الملائكة، إبليس، آدم، هي:
الأول: إختبار الله الملائكة بالخبر باستخلاف آدم في الأرض
الثاني: اختبار الله الملائكة وإبليس بالسجود لآدم
الثالث: اختبار الله آدم بالأمر بتجنب الأكل من الشجرة
وما هي نتائج تلك الأاختبارات، وما أسرارها، وماذا حصل من المخلوقات الثلاثة ( كتمان، أو كبر، أو معصية) وما الفرق بين ( كتمان الملائكة) و ( كبر إبليس) و ( معصية آدم)؟
وهل يتعارض كتمان الملائكة مع عصمتهم؟
ولماذا غفر الله كتمان الملائكة و معصية آدم ولم يغفر خطيئة إبليس؟
هذه القصص الثلاث فيها سر الله لو أننا نتدبر القرآن بتواضع وهدوء وافتقار إلى الله ليعلمنا ويفتح لنا بهذا العلم ما شاء
فهذا الشعور بالافتقار إلى الله وتمام التسليم له والخضوع له هو سر الأسرار
وهو المحك في الاختبار
وبه فقط يكون رضا الله
وعبره فقط تتفتح العلوم والمعارف والأسرار ويكون صاحبها مؤهلاً لينال بركات الله المعنوية والمادية في السماء والأرض
وبه فقط تكون خلافة الله في الأرض وحسن عمارتها بالعلم والعدل والرحمة والعقل والضمير
ولهذا فالشيطان حريص على منع هذه البركات والفتوحات الإلهية بتعليمه آدم وبنيه ما يمنع هذه الربكات والفتوحات ( أي تعليمهم الكبر والطمع والحسد ..الخ) ليحرمهم من فتوحات الله ورحمته ورضوانه واستخلافه الذي يريد ..الخ
وسنفصل لاحقاً، ونبين صلة هذه الأبحاث بتلك المزايا والخصائص التي منحها الله لأنبيائه ومنهم نبينا محمد صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله.
فلا تستعجلوا –
وأنا سأحاول فقط ولا أزعم الإلمام ولكن الخطوط لعريضة ندي واضحة-
تعالوا نتعلم القصة بهدوء وتواضع – شيئاً فشيئاً- حتى نعلم سر خلق الله لهذا الإنسان وأسراره فيه وتمحيصه له واختباره له بأوامر قد تصعب على النفس المتكبرة وتسهل على أهل التواضع والتسليم.
سنكمل هذا البحث الهاديء عن سر هذه المكانة والخصائص لرسول الله صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله
ونتحدث في الأمر ألأول: وهو أول اختبار إلهي للملائكة – قبل ألأمر بالسجود- عندما أخبرهم بأنه سيستخلف في الأرض خليفة، وكيف اعترضوا اعتراضاً مؤدباً ، وكانوا يكتمون شيئاً علمه الله، وقد نعلمه…. ولماذا لم يحاسبهم الله عليه.
ولكن قبل ذلك…
خذوا هذه الآيات وتدبروها
وستعرفون منها أن هذا النفور عن رسول الله قد بدأ من أيام الرسول نفسه، من أناس يزعمون أنهم (آمنوا بالله ورسوله وما أنزل الله عليه وعلى من قبله… الخ)، مع أن الخصائص التي أعطاها الله لنبيه كانت أسهل من ألأمر للملائكة بالسجود لآدم، ومن العجب أن هؤلاء ينكرون على إبليس ما هو أعظم على نفسه من السجود لآدم، ولا يستغربون كبرهم وتفلتهم وحسدهم لخصائص تبدو أقل بكثير من السجود لآدم..
على كل حال كان الله يأمر المسلمين – في شخص محمد- بان يطيعوا ويسلموا وينزعوا الكبر والحسد والغرور والنفاق …الخ ولمن كثيراً منهم تفلتوا من الطاعة = طاعة رسوله (وهي إحدى الخصائص التي منحها الله لنبيه) وربما كانوا سبب حرف الإسلام عن رسالته الأولى ومنع بركات الوحي بحسب تأثيرهم في المسلمين.. وكيف قد يختبرك الله بهم، فالاختبار الذي لم ينجو منه الملائكة ولا إبليسولا آدم لن ينجو منه غيرهم، لا صحابي ولا تابعي ولا نحن ولا هم..
ولعل هؤلاء الذين تفلتوا كانوا قد افتتنوا وفرزهم الله بسبب هذه الخصائص التي أعطاها رسوله وكبرت على نفوسهم المتكبرة ولم يستسيغوها بعد أن آمنوا، لكنهم ظنوا أن الإيمان بلا ابتلاء – كما نظن اليوم-
اقروأ الآيات ثم انظروا ماذا سيكون النفع المتوقع لو أطاعوا الرسول
وماذا سيكون الضرر المتوقع من معصيته وعدم تحكيمه
وسنعرض هذه الآيات وأمثالها لاحقاً ونشرح صلتها بموضوعنا- عندما نأتي لتفصيل تلك الخصائص التي منحها الله رسوله الكريم-
نموذج أول:
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا (60)
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا (61)
فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا (62)
أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا (63)
وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا (64)
فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65) [النساء: 60]
نموذج ثانٍ:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (2)
إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (3)} [الحجرات: 1 – 3]
نموذج ثالث:
الشهادتان …
… وستاتي النماذج موسعة
ولكن سنواصل في موضوعنا – قراءة أسرار الله في الابتلاء بالتسليم المطلق وإيجاده بعض ما قد يكشف ما في القلوب من أمراض لا يشعر به أصحابه، فكان لابد من خصائص ممنوحة للأنبياء كما تلك الخصائص التي منحت لآدم وأدت إلى اعتراض الملائكة وتوبتهم وعصيان أبليس وإصراره …
سر الله في هذا القلب ، متى خلص لله عند أغلب بني آدم كان الاستخلاف اذلي يريده الله..
الاختبار الإلهي الأول:
يظن أكثر المسلمين أن الاختبار الإلهي الأول للملائكة هو عند أمرهم بالسجود لآدم فقط – فامتثلوا وسقط إبليس في الاختبار بكبره- بينما هناك اختبار سابق من الله للملائكة ويدخل فيهم إبليس أيضاً ، عندما أخبرهم بانه سيجعل في الأرض خليفة، فهذا اختبار أول، فما سره وما نتيجته؟
تعالوا لنقرأ – وركزوا جيداً-
({وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30)
وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (31)
قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32)
قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (33)} [البقرة: 30 – 33]
الفوائد:
1- أخبر الله ملائكته بأنه سيجعل في الأرض خليفة، فكان الجواب الواجب المثالي أن يقولوا: أنت وما تريد يارب، واثقون بعلمك، مطمئنون بحكمتك، مستسلمون لأمرك… هذا هو الموقف المثالي السليم ( تسليم مطلق وثقة بالله دون استشكال ولا اعتراض ولا استغراب ولا استفهام استنكاري) ولكنهم استدركوا هذا الخطأ في الجواب لاحقاً – كما سيأتي –
2- لكن جواب الملائكة – وهم الملائكة- على إخبار الله لهم جواباً غير مثالي، إذ قالوا (قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ)؟!! جواب غريب! و كأنهم يعترضون اعتراضاً مؤدباً مشفقاً مع أن ( ما يكتمون) كأنه طمع أن يكونوا هم البديل كما سيأتي، وفيه جزء يسير من حظوظ النفس، ولكن لم يتبين تماماً، والله لا يحب أن يؤاخذ في هذه الحالات إلا بالعلن وإن قل.
3- ثم لم يكتفوا بهذا، بل حاولوا أن يعرضوا أنفسهم بديلاً صالحاً للاستخلاف عندما قالوا: ( ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك) ، فهذا الإخبار عن أنفسهم قد يتضمن هذا العرض بأنهم أولى بالاستخلاف في الأرض، يعني نحن أولى بهذا، فلماذا تدعنا وتذهب إلى ( خليفة من غيرنا)؟ فهذا – الاعتراض والعرض – فيه شيء من ( الأنا) التي هي علة العلل، ولكنه خفيف جداً، وغير ظاهر للعلن، إذ لم يتجاوز الملائكة إلى حد العصيان العلني كما فعل إبليس، وإنما كانوا ( يكتمون) بأنهم الأصلح للاستخلاف في الأرض، ليس بسبب الأرض ( فهم يعلمون أنها صغيرة لا تقاس بالسموات العلى والمجرات والملكوت والأفق الأعلى وغيرها من مخلوقات الله العظيمة، ولكن علموا أن ( الاستخلاف من الله) عظيم، فهم ليسوا مستخلفين رغم قربهم، بل مأمورون أمراً، فطمعهم بنيل هذا الاستخلاف قد سبب اعتراضهم وعرضهم.
4- كان جواب الله لهم قاطعاً (قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ)! وهو جواب شديد لمن تدبر، يتضمن العتب من الله لملائكته بأنهم يتكلمون ويعترضون على ما لا يحيطون بعلمه، قد يعلمون شيئاً وتغيب عنهم أشياء، فهم لا يبلغون منتهى علم الله ولا دقيق حكمته حتى يعترضوا هذا الاعتراض غير المناسب.
5- الله لم يكذبهم في إخبارهم عن احتمال إفساد هذا الخليفة في الأرض وإنما في قصور علمهم عن المآلات، مآلات هذا المخلوق المستخلف ، أي لم يقل : لا ، لن يسفكوا الدماء ولن يفسدوا في الأرض، فهو يعلم أن بعضهم وربما أكثرهم سيفعلون هذا، ولكن هذه مرحلة لابد منها، فمرحلة ولادة البشرية كمرحلة ولادة الطفل تستصحب النقص والضعف والقصور، فلابد من آلام وبكاء ومصاعب وجهل .. ثم يترقى الإنسان – في قسم نوعي منه- ليصل بعد هذه التجارب والكدح لحقيقة ( الاستخلاف).
6- فالله من سنته في هذا الإنسان أنه لا يريد مخلوقاً مجبوراً على الهداية كما هو حال الملائكة، ولا مخلوقاً جاهزاً كاملاً من البداية ( وإنما يريد أن يمر الانسان بمراحل من التطور والنمو والتراكم، يعتمد فيها على ملاحظاته وتجاربه العملية وتراكمه المعرفي بالاستعانة بما أعطاه الله من فطرة وعقل وسمع وبصر وجوارح وسره في هذا التراكم المكتسب من العلوم والمعارف والتجارب ..الخ)
7- فمرحلة غلبة الاستخلاف الخير على التجارب البدائية – وهو الذي يريده الله- لم تأت بعد، نعم كان الأنبياء يمثلون الاستخلاف الذي يريده الله، لكن لم تكن لهم غلبة على الأرض كلها ولم يظهر دين الله على الدين كله إلى اليوم ، كان معظم الأنبياء مستضعفين، أو محدوين بأماكن من الأرض ولا تشكل كل الأرض، وكل الأنبياء كذبوا وبعضهم قتلوا .. لأن البشرية مازالت فاشلة في ( الثقة بالله والتسليم له ) وهذه مقدمة ضرورية لانفتاح كل البركات المنوية والمادية.
8- ولأن اعتراض الملائكة كان مؤدباً وعن طمع لا كبر ، فقد تفضل الله عليهم بتعليم آدم الأسماء كلها ( وهذه الأسماء لعل فيها سر الاستخلاف الخير الذي لم يكشف بعد) ثم عرضهم على الملائكة وطلب منهم أن يخبروه بأسماء هؤلاء إن كانوا صادقين، كما في قوله تعالى ({وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } [البقرة: 31] ..
9- فما هي هذه الأسماء – محل بحث- ولكن كيف علمها آدم؟ أي هل علمها آدم بتفعيل آدم لما أعطاه الله من سمع وبصر وعقل … أم بتعليم من الله مباشر لآدم؟ الأول هو الراجح، لأنه لو علمه مباشرة لما كان هناك ميزة لآدم على الملائكة، ولما كان هناك حكمة من عرض تلك الأسماء على الملائكة .. فالله عادل، لن يخبر آدم بالأسماء سراً ليطلب منه إخبار الملائكة بهذا السر، كلا، وإنما ما خلقه الله في آدم من السمع والبصر والعقل وما تؤدي هذه الملكات من ربط هو الذي أنتج علم آدم بالأسماء بفضل ما أعطاه الله من خصائص في الخلق.
10- ولذلك سلم الملائكة بجهلهم ونقصهم عن آدم ونزعوا بعض ما كانوا يكتمون من التميز، واستحقاق الاستخلاف، وتبين لهم أن ( العلم) هو سر الاستخلاف، وأن الربط والاستنتاج والتراكم المعرفي هو سر الاستخلاف، وأن آدم أقدر منهم على هذا الاستخلاف بما أعطاه الله من خصائص في الخلق.
11- وبما أنهم جهلوا ما علمه آدم فهو الأجدر بالاستخلاف لهم، فالموضوع إذاً موضوع ( علم) وليس مجرد ( تسبيح وتقديس) ، فالله يريد في آدم مشروعاً مختلفاً ينمو بالعلم ويصل لغاية يريدها الله منه – موضوع كبير وواسع لكن نأخذه على الألفاظ الظاهرة فقط-
12- لما اعترف الملائكة بعجزهم – علمياً عن معرفة الأسماء ({قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} [البقرة: 32] – كان هذا أول التوبة من ذلك الشعور بالتميز والاستحقاق والاعتراض، فلذلك كان جزاء هذا التواضع أن تفضل الله عليهم بالإثبات العملي بأمره آدم بأن يخبر الملائكة بتلك الأسماء ليثبت لهم الله بتميز آدم عليهم، وليطمئنوا أنهم ليسوا أولى من آدم بالاستخلاف الذي يريده الله ({قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (33)} [البقرة: 33]
13- الآية تفيد أن الله يعلم من آدم واستخلافه غير ما يعلمون، ويعلم أنهم كانوا يكتمون شيئاً غير ما كانوا يبدون، أي كأن اعتراضهم بسبب ما يخافون من الافساد في الأرض وسفك الدماء لم يكن العذر الحقيقي، كأنهم كانوا يكتمون أنهم يرون أنهم الأفضل والأولى، ولكن غفر الله لهم هذا باعترافهم بالجهل، وتوبتهم وتسبيحهم التائب المعترف، وهذا الاعتراف جر لهم فضيلة أخرى وهي ( الإثبات العملي لهم) ليطمئنوا، ثم ليتجتازوا الاختبار الآخر الشاق ( بالسجود لآدم – وسيأتي).
ماذا استفدتم حتى الآن من هذه القصة التي ذكرها الله؟
تدبروا وستجدون أن سنة الله تكمن في الابتلاء والتمحيص ببعض المزايا والخصائص التي يعطيها بعلمه لمن يشاء من عباده، فيتم تمحيص الآخرين، وينتهي التمحيص إما بتسليم كلي أو تسليم مع شيء من الاعتراض الخفي يتم التوبة منه أو بعصيان كامل كما في قصة إبليس في الاختبار الثاني الشاق جداً وهو الأمر بالسجود لآدم، وكيف أن أحداً من أعبد الخلق يومئذ – إبليس- قد فضّل دخول جهنم على التسليم المطلق، بسبب الكبر.
ولكن قبل أن نصل للأختبار الثاني يبقى سؤال:
أليس في أقوالك السابقة ما يعارض عصمة الملائكة وأنهم ( لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون)؟؟
دفع شبهة تعارض:
أليس في الكلام السابق من اعتراض الملائكة – المؤدب- وكتمانهم خلاف ما كانوا يبدون – كما في النصوص القرآنية- ما يعارض عصمة الملائكة؟ وما ذكره الله عنهم من أنهم ({لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } [التحريم: 6] فهم يعترضون، ويكتمون أيضاً، وهذا ينافي العصمة ..الخ
الجواب:
لم يأت في كتاب الله أن الملائكة معصومون بحيث لا يعترضون اعتراضاً مؤدباً، أو يكتمون خلاف ما يبدون ..، ، إنما ورد أنهم ( لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون) وأنهم ({لَـا يَسْتَكْبِرُونَ (49) يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (50) } [النحل: 49 – 51]،
بل قد يصح أن يقال أن الوصف في الآية الأولى خاص بمجموعة محددة من الملائكة ، وهم الموكلون بجهنم ( عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم …الآية)، وهذا الاعتراض المؤدب وكتمان خلاف ما يبدون لا يناقض ( أنهم لا يستكبرون) ولا أنهم ( يفعلون ما يؤمرون) ، فهذا شيء وذاك شيء آخر..
ولكن حتى على أخذ الآية في عموم الملائكة فلا يفيد هذا التسليم المطلق، وإنما في الطاعة المطلقة، والطاعة المطلقة أسهل من التسليم المطلق، فقد تطيع رئيسك في العمل مطلقاً مع اعتلاج في صدرك أو شك بأن هذا الأمر الذي تنفذه ليس بهذه السلامة من الخطأ.
ولذلك نجد في بعض بني آدم من هو أكمل تسليماً وخضوعاً وثقة بالله من الملائكة، ومن تتبع قصص بعض الأنبياء وجد ثقتهم بالله عظيمة جداً، كرؤية إبراهيم – مناماً – أنه يذبح ابنه وأراد التنفيذ .. فهذا تسليم مطلق وعظيم.
وسيأتي اختبار الملائكة النهائي بالسجود لآدم، لتكون توبتهم الأخيرة وتسليمهم المطلق إلا إبليس الذي رافق الإخبار الإلهي من البداية وتكتم على كبره حتى انفجر ذلك الكبر بشكل صريح وانكشف في أسوأ صورة وسقط في الاختبار وطرده الله ولعنه بسبب ظهور هذا المخبوء الخبيث ( الكبر)، والكبر عدو الله الأول، وما أكثر ما يتكرر هذا الشعور الإبليسي في كثير من بني آدم، ممن يتعجبون من معصية إبليس مع أنهم يعصون فيما هو أقل من السجود لآدم! – وهنا بدأت تتكشف الأسرار – وسيأتي المزيد من ذلك عند الاختبار في السجود لآدم- وهي خصيصة وميزة عظيمة أكبر بكثير مما يراه بعض الناس من خصائص مبالغ فيها للأنبياء ومنهم النبي محمد صلوات الله وسلامه عليه.
وإنما هذا المقال كان مخصصاً لرفع شبهة التعارض بين اعتراض الملائكة وكتمانهم مع عدم استكبارهم وفعلهم ما يؤمرون وعدم معصيتهم الله .
– قصة السجود لآدم وأسرار الأمر الإلهي-
هذه الحلقة السادسة من محاولة الإجابة على السؤال الإشكالي:
( لماذا هذه المكانة لرسول الله صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله)
ثم ذكر بركة التسليم لهذه الخصائص،
وكيف تنعكس على الوجدان
وتعلمك على سنن الله في خلقه كالابتلاء والتمحيص وفرز الخبيث من الطيب،
– وهي من سنن الله العظمى التي لو أدركها المسلم لأبصر الكثيرمن الأسرار
ولما وقع في كثير من المعاصي والذنوب والانحرافات الكبيرة التي تقودها أدواء النفس من الكبر والغرور والحسد والعجب و..الخ.
تحدثنا عن الأمر الأول : وهو إخبار الله بالاستخلاف في الأرض واعتراض الملائكة بأسلوب مؤدب
والأمر الثاني هنا الذي سنتحدث عنه، أشد وأقسى، وهو ابتلاء الله واختباره لملائكة قبل آدم، – ومعهم إبليس- بالسجود لآدم،
يريد الله من هذا الأمر تحقيق عدة أهداف لعل من أهمها سنته في ( الابتلاء والتمحيص) للمأمورين بالسجود، إذ يتم الفرز والتمييز بين أصحاب التسليم والانقياد والخضوع لأمر الله، وأصحاب الكبر والعناد والاستعصاء.
ونستعرض الآن أهم الآيات في هذا الأمر الإلهي ونتائج التمييز به :
الآية الأولى:
{وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (34)} [البقرة: 34]
هنا الملائكة سلموا فسلموا، وأما إبليس فأبى واستكبر وكفر ( ثلاثة أدواء كانت كامنة في نفس إبليس ) .
ولولا الأمر بالسجود لما ظهرت ولبقي عابداً ولا عرف سر كبره أحد إلا الله،
ومن سنة الله أنه لا يكتفي بالعلم المحجوب له سبحانه،
وإنما إضافة الإظهار إلى العلن ({أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ (29) } [محمد: 29]
الموضع الثاني:
{وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (11) قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (12)} [الأعراف]
هنا أظهر الله حجة إبليس على لسان إبليس،
ألا وهي ( أما خير منه)
وهذا كبر ورد على الله وعدم ثقة بحكمته واعتداد بالنفس إلى ما لا يمكن تصوره … وكان إبليس طيلة مئات أو آلاف الأعوام ، يعبد الله ولا يعرف أحد هذا السر المخبوء وهذا الداء الدفين، ألا وهو الكبر،
فالكبر عدو الله الأكبر ،
وفي هذا درس لنا، أننا مهما عبدنا الله، لا تنفع العبادة عندما نعترض على الله كبراً وعلواً ولا نثق بأمره ولا نهيه، ونرى أننا أصوب رأياً وأحكم تدبيراً ..الخ،
فهل تكرر من الناس مثل هذا الكبر أو التقدم بين يدي الله والاعتراضات على أمره من باب التكبر والاعتداد بالذات؟
وهل يحصل هذا من متعبدين ومتدينين في الظاهر؟
ثم احتجاج إبليس هنا احتجاج عنصري ( خلقتني من نار وخلقته من طين) مما يدل على كبر مضاعف، فهو لم يحتج بطاعة لا عبادة ةلا نص ، بأنه أطوع لله مثلاً.
وإنما احتج بعنصر!
فهل وقع من بعض المسلمين مثل هذا؟
وهنا يجب التفريق بين ما فيه نص – كاصطفاء الله لآل إبراهيم، أو ذرية بعضها من بعض ، مع أن سبب الاصطفاء ليس العنصر وإنما التقوى وبقية الغايات– وما ليس فيه نص كاعتراض بعضهم على ما أمر الله به أو رسوله، نتيجة نظرته المتكبرة لنصره بأنه أفضل من العنصر الآخر!
فاحتجاج الشيطان لم يكن إلا بالعنصر لا بعبادته ولا تقواه! مما يدل – ولو من بعيد- أن عبادته كانت لتحقيق الذات ( الأنا) والحصول على مزايا وليست لأن الله يستحق العبادة والشكر والتقوى ..الخ، وهذا شيء خطير ومخيف
فقد يعبد أحدنا الله ليكون له منزلة وليس لأن الله يستحق العبادة بلا انتظار لأي منصب من هذه العبادة، فالعبادة لابد أن تكون خالصة لله وحده، وكذلك سائر ألأعمال، لا ترتجي خلفها مكانة ولا منصباً ولا رياسة..الخ.
الموضع الثالث:
(فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (30) إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (31)
قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (32)
قَالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (33)} [الحجر]
وهنا إبليس ذكر أسباباً متفرعة من ذلك ( الكبر)
مثل احتقار الآخر
والوثوق بظاهر علمه الناقص الساذج
مع أن التراب تحتوي على عنصر النار ولا عكس، فالتراب أشمل من النار،
إلا أن ثقته بظاهر من العلم وعدم ثقته في علم الله مع احتقاره للعنصر الآخر، كل هذه الأدواء كان ينطوي عليها قلب إبليس للآلاف السنين وهو من أشد الخلق عبادة في الظاهر،
فكان هذا التمحيص له فغلب باطنه غير ظاهره، فلا نغتر بعبادة أحد وإن طالت،
فالتسليم الباطني هو المعيار لا العبادة الظاهرة.
الموضع الرابع:
{وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا (61)
قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا (62)} [الإسراء]،
وهنا أيضاً بلغ الكبر بإبليس مبلغه، فهو يسأل سؤالاً استنكارياً ( أأسجد لمن خلقت طيناً)؟ انظروا إلى ثقته المفرطة بجهله،
وشكه في علم الله وحكمته بل اعتراضه واستخفافه بالعلم الإلهي والحكمة …
انظروا كيف بلغ به الكبر إلى هذا الحد الذي يتبعه بالتهديد لأن الله خير آدم عليه!
مما يدل على أن عبادته كانت بلا علم ولا قصد العبادة لله
وهنا تظهر أهمية العلم، ولذلك قال الملائكة ( لا علم لنا إلا ما علمتنا) وكان هذا الافتقار والاعتراف أمام الله من أسباب تفضل الله عليهم وغفرانه لهم بعض الاعتراض المؤدب وزيادته لهم من فضله بأن زادهم علماً وأظهر لهم آدم وهو يعلم الأسماء كلها ..الخ.
الموضع الخامس والأخير:
{ فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (73)
إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (74)
قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ (75)
قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (76)
قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (77)
وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ (78)} [ص: 73 – 78] ،
هنا تكررت العلل ؛ الكبر والكفر – وهما متلازمان- وبقي قوله تعالى ( أم كنت من العالين) لا أعرف سرها هنا حتى الآن، وهل هي ذم أم أن هناك مخلوقات من العالين لم يكونوا مأمورين بالسجود لآدم، يحتاج لبحث،
لأن لفظة ( أم) قد تدل على أن خلقاً لله يسمون ( العالين) يختلفون عن ( الملائكة والمستكبرين كإبليس) ، لكن الله لم يأمرهم بالسجود لآدم، والله أعلم،
علماً بأن العلو في الأرض مذموم.
الخلاصة:
أن هذا الأمر بالسجود لآدم يريد الله منه ابتلاء وتمحيص الملائكة وإبليس ليظهر الباطن ظهوراً علنياً، وينكشف المظهر، وينتهي الخداع من المخادعين لله والذين آمنوا، فالله لا تنطلي عليه الخدعة وإن طالت.
وسيأتي البيان كيف أن الله لم يمهل إبليس ولم يعرض عليه التوبة – كما هو حال آدم ومعصيته- بل لعنه وطرده، لأن معصيته نابعة من كبر لا يقبله الله، وليس للمتكبر إلا اللعن والطرد من رحمة الله، أما العاصي نتيجة شهوة أو شبهة مع اعترافه بالفقر إلى الله وتوبته فهذا موضوع آخر إذ قد يقبل الله توبته كما سيأتي في قصة معصية آدم وأكله من الشجرة
فآدم عليه السلام وزوجه لم يأكلا من باب العناد والتكبر على أمر الله،
وإنما شهوة وتصديق لوسوسة أبليس بأنهما سيكونان من الخالدين
ثم اعترفا بأنهما كانا ظالمين وطلبا التوبة فأعطاهما الله وقبل توبتهما
مع عقوبة جزئية بالهبوط إلى الأرض ومكابدة متاعبها ومصاعبها،
ولله في ذلك حكمة ولابد من التسليم من الآن بأنه مهما طرأت عليك من أفكار قد تراها عظيمة وعلمية وخلاقة فليكن ثقتك بعلم الله وحكمته أقوى بما لا قياس
اتهم علمك ولا تغتر وثق بعلم الله وحكمته، ولا حكمة أبلغ مما نراه من ابتلاء وتمحيص وفتنة، فلله مشرع في هذا الإنسان،
ولم يكن ليدخل الجنة أحداً مع ذنب أخرج به منها ملَكاً أو في مرتبة مَلَك.
فالكبر – وخاصة هذا النوع الإبليسي- داء عظيم لا تنفع معه عبادة ولا توبة ولا غيرها، أما التكبر دون ذلك، فقد يغفره الله مع التوبة، فكثير ممن اسلموا مع الأنبياء كان فيهم كبر ولكن ليس لدرجة كبر إبليس الذي يفضل رأيه ويتكبر به على علم الله وأمره واختياره وحكمته ولطفه ..الخ.
وقد يعطي الله خصائص لآدم أو للنبي محمد صلوات الله عليهما، لتكون فتنة يبتلي ويمحص بها صاحب القلب السليم، ويتيح للذين في قلوبهم مرض أن يضلوا، لتتحقق سنة الله في التمييز بين الخبيث وإن خفي وكثر، والطيب وإن قل، فالله لا يتكثر بأحد، فهو الغني عن العالمين، ويريد النوعية لا الكثرة
فقد بقي للنوعية شأن لم تكشف أسراره بعد
{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ}
[آل عمران: 179]
– قصة آدم والشجرة ، فيها الحرص لا الكبر –
ويمكننا تفسير ما جرى لبني آدم والصحابة والسلف والمذاهب بالعودة للبدايات
فالشيطان واحد، والنفس الإنسانية واحدة.
نواصل:
ثلاثة اختبارات ( ابتلاءات) إلهية قبل هبوط آدم إلى الأرض
الأول : إخبار الله للملائكة باستخلاف خليفة في الأرض ، وكيف اعترضوا !
الثاني: أمر الله بالسجود لآدم، وكيف عصى ابليس معصية كبر وجحود
الثالث: نهي الله آدم وحواء عن أكل الشجرة وضعفهما ومعصيتهما شهوة وشبهة لا عناداً وكبراً
وهذه الأخيرة مختلفة عن سابقتيها، فالأمران السابقان ( الإخبار بخليفة/ والأمر بالسجود) فيه ابتلاء مختلف، إذ أن فيه خصائص منافس وتفضيل له (وهو شديد ومنتج للكبر ) أما معصية آدم فتكمن في حب الخلود والرفعة دون مراقبة وجود المنافس من عدمه، ولكن في قصة آدم أيضاً دروس، فقد تسقط في اختبار الدنيا، لا لحب علو ورفعة، وإنما لحب مصلحة وعيش مريح، والفرق أن المعصية مع حب العلو والرفعة وحسد المنافس من الكبر، والثاني لا يشترط فيه وجود الكبر.
وأهم الآيات في ابتلاء آدم، ثلاث آيات :
الأولى:
(({قُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (35) فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (36) فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37) } [البقرة: 35 – 37]
الثانية :
وفيها التفسير كيف تمت المعصية ( معصية شهوة واشتباه لا معصية كبر وجحود)
قال تعالى: {وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (19) فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (20) وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21) فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ (22) قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23)} [الأعراف]
هنا آدم يريد أن يكون من الخالدين، أو من الملائكة، لم يأكل من الشجرة عناداً وتكبراً ورفضاً لنهي الله، وهذا أخف وخاصة مع الندم والتوبة.
ومن الفوائد، أنه قد يغتر الصالح بالوسوسة وخاصة إذا أقسم له بالله – والقسم والحلف يكثر عند أتباع الشيطان إلى اليوم –
الثالثة:
({فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى (120) فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (121) ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى (122)} [طه: 120 – 122]
هذه الآية فيها ذكر الملك والخلد، وهي شهوانية أكثر منها معنوية، وإن كانت لفظة ( الملك) قد توحي بحب العلو، ولكن الملك هنا لا منفس فيه، من باب التملك لا العلو.
وللأخوة الشيعة تأويلات يروونها عن بعض أهل البيت، بأن الشجرة هي شجرة ( الحسد) وأن آدم رأى أهل البيت في مكانة أعلى منه ( رأى أرواحهم = شبيه عالم الذر) وتمنى لو يكون مكانهم ووسوس له الشيطان بإمكان ذلك فصار نوع من الحسد الشبيه بالغبطة، فأكل من شجرة الحسد، ومن هذا الباب قالوا ( الحسد يأكل الحسنات) ولكنه تأويل بعيد فيما أرى، والله أعلم.
والخلاصة:
أن الله ابتلى آدم بنهيه عن تلك الشجرة، ولكن الشيطان وسوس له وأطمعه في الخلود والملائكية والملك، فضعف ولم يكن له عزم ونسي نهي ربه،
ومثلما يحصل لآدم حصل لكثير من الصالحين، الذين قد ينسون لوساوس شيطانية وأطماع وضعف بشري، ثم يتذكرون ،
مثلما نسي الزبير بن العوام حديث ( تقاتل علياً وأنت له ظالم) حتى ذكره به الإمام علي يوم الجمل، فذكر ورجع ( والحديث سنده صحيح وصححه الألباني)، ومثلما قد تتفاجأ من صالح ما، وكيف نسي الواقعة الفلانية أو النهي الفلاني أو الآية الفلانية، فهذا يحدث كما حدث لآدم، نسي وسط الوساوس والأطماع والطموح.. الخ..
-قصة ابني آدم –
ابن نبي من ألأنبياء يقتل أخاه ، فهل نستغرب إذا حاول صحابي أن يقتل نبياً؟
– العلل الباعثة، كبر، حسد، طمع، شيطان.. من اعترف وعالج سلم ومن تجاهلها وقع.
قصة ابني آدم
قصة ابني آدم في موضوعنا تماماً، فأحد ابني آدم حسد أخاه ( والحسد من نتائج الكبر) عندما تقبل الله قربان أخيه ولم يتقبل منه، فقتل أخاه، فقد يبلغ الحسد ببعض الناس لإنكار رسالة رسول أو ولاية صالح .. فهاو ابن آدم والعهد قريب والمربي نبي، ومع ذلك قتل أخاه، وهنا سيذكر الله أن نفسه هي التي طوعت له، وأبوه آدم وسوس له الشيطان، فهل كان الشيطان بريئاً من أي دور في قصة ابن آدم؟ ليس بريئاً لكن أحياناً قد تغلب النفس الأمارة بالسوء وأحياناً قد تغلب وسوسة الشيطان وتزيينه للأعمال ويستثمر أمراض النفس البشرية وقصورها من جهل أو ظلم أو كبر أو حسد أو طمع في إضلال الإنسان أو صرفه عن الكمالات على الأقل، ومن ذلك هذا الحسد الذي هو من فروع الكبر وقد يقود صاحبه إلا القتل فضلاً عن إنكار الخصائص.
الآيات في قصة ابني آدم:
قال تعالى : {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27)
لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28)
إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (29)
فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (30)
فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ (31)} [المائدة: 27 – 31]
هنا النفس الأمارة بالسوء هي سبب خسارة ابن آدم الجنة الأخروية، والشيطان كان سبب خسارة آدم الجنة الدنيوية، فسبق فعل الشيطان وتلت النفس، وقد يجتمعان، ولكن قد يغلب أحدهما الآخر، ولو سلمت النفس ما قدر الشيطان، كما أنه لولا الشيطان لهان على النفس الصلاح، فأنت أمام أعداء، أهمهم الشيطان وله رسله داخل النفس البشرية من الكبر – وهو مادته الأولى- وفروعه من الحرص والطمع والحسد .. الخ
علماً بأن ابن آدم القاتل / مسلم يؤمن بالله ويقرب القرابين ووالده نبي ، فلم تنفعه التربية، فأمراض النفس البشرية تتغلب علة أثر التربية.، وسيأتي في قصة أبناء يعقوب عليه السلام ما يقارب لفعل ابن آدم هذا.
وابتلاء الله بالقبول من ابن آدم لأنه من المتقين، ولكن الله جعل هذا القبول فتنة للابن الآخر ليزداد إثماً وبعداً، فاحذروا مكر الله، هو لا يمكر ابتداءً، مكره عقوبة لك عندما تهمل تطهير نفسك من الداخل، فظهر لابن آدم القاتل أن الله قد فضل أخاه عليه! ومن عماه أنه رأى أن علاج ذلك بقتل أخيه.
وسنرى عندما نصل إلى رسول الله أن الله أعطاه ميزات وخصائص يستحقها، لكن الله جعلها فتنة للظالمين أنفسهم، حتى حاول بعض الصحابة قتل رسول الله في يوم العقبة وكرروها يوم هرشى، وهم يؤمنون بالله واليوم الآخر. ويحسبون أنهم مهتدون، وسترى أعذراهم عندئذ.
وسنكشف سر خصائص رسول الله صلوات الله عليه عندما نصل إلى مناقشتها، وستعرفون أن لها حكمتين، الأولى: تفضل الله على من يستحق كرسوله
الثانية: أن تكون فتنة للظالمين المتكبرين ليزدادوا بعداً عن الحق، ليكون ضلالهم عقوبة لتذبذبهم وتربصهم ونفاقهم… والله غني عن العالمين
– يتبع-

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com