الصمود حتى النصر

على السعودية إطلاق سفن المشتقات قبل فوات مهلة المبادرة حتى لا يتصاعد الدخان في أرامكو من جديد

الصمود | تقرير| إبراهيم الوادعي

كان لافتا أن يتزامن دخول العام الثامن للعدوان السعودي الأمريكي على اليمن، وألسنة اللهب تشتعل في جدة وسط المملكة السعودية وليس في صنعاء أو أي مدينة أخرى لم يتوقف عنها القصف السعودي الإماراتي ودول أخرى مشاركة في الحلف المرعي أمريكيا طوال 7 أعوام.
أعلنت الحرب على اليمن من واشنطن من ساحة البيت الأبيض، كان السفير السعودي الجبير منتشيا ويتبختر أمام الصحفيين وهو يعلن عن بدء غزو لليمن تقوم به بلاده بالمشاركة مع الولايات المتحدة، وعلى بعد آلاف الأميال كانت وسائل الإعلام السعودية تنقل صورا لولي العهد السعودي محمد بن سلمان والذي لم يكن انقلب حينها على ابن عمه محمد بن نايف وهو يمسك سماعة الهاتف من مركز إدارة العمليات الجوية في الرياض، يخاطب الطيارين الذين نفذوا أولى الغارات الجوية على صنعاء بوصفه وزير الدفاع يبارك لهم العملية العسكرية التي وصفت بعاصفة الحزم وأخذت تتغنى بها وسائل الإعلام السعودية وحتى وسائل إعلام عربية وأجنبية بالخصوص بريطانية وبينها مؤسسات عريقة كالـ(بي بي سي)، والتي تجاهلت الردود اليمانية في بداية الحرب قبل أن تفرض نفسها لاحقا مع تطورات الأحداث خلال السنوات الماضية .
وبعدها بساعات عقد المتحدث باسم عاصفة الحزم حينها العقيد أحمد العسيري أولى مؤتمراته الصحفية ليلعن نجاح الموجة الأولى من القصف، والسيطرة على الأجواء اليمنية في ربع ساعة كما زعم حينها .
تجنب العسيري الحديث عن أول مجزرة ارتكبها طائرات التحالف في حي بني حوات المجاور لمطار صنعاء بعد دقائق فقط من بدء العدوان والذي راح ضحيته 32 مدنيا بينهم 14 طفلا وإصابة 103 مدنيين بينهم 12 طفلاً و20 امرأة، لم تكن تلك المجزرة سوى حلقة أولى في سلسلة مجازر أكثر بشاعة وقتامة سيشهدها اليمن على مدى السنوات اللاحقة حصدت أرواح ما يقارب 50 ألف مدني شهداء وجرحى بينهم نحو 4017 طفلا قتلوا ومقتل 20434 امرأة ، لم تبق حرمة لشيء على الأرض اليمنية التي استبيحت كليا، واُفسح المجال للسعودية وحلفها أن تفعل ما تريد لقاء المال .
توهم السعوديون والإماراتيون انهم سيدخلون صنعاء في غضون أسابيع ، كانت الأوضاع في اليمن توحي بذلك ، ثوار الـ 21 من سبتمبر كانوا لتوهم ورثوا دولة فاشلة وجيشا منهك ومقسم ، وليس لديه سلاح جو فعلي بضع طائرات متهالكة وقديمة من بقايا الحرب الباردة ، وطيران لا يستطع الإقلاع ليلا ، أما أسلحة الدفاع الجوي فقد جرى تدمير جلها بإشراف الأمريكيين وبالتعاون مع قيادات أمنية تابعة وموالية للخائن عفاش الذي أظهر مواقف منددة بالعدوان لكنه عاد وايد العدوان على بلده وقاد انقلابا بالتعاون مع الإمارات بعد اقل من ثلاثة أعوام على انطلاق العدوان حاول من خلاله فتح الطريق للتحالف للوصول إلى صنعاء غير انه ذلك الانقلاب فشل ولقي الرجل جزاء أعماله السيئة .
يقتصر الإنجاز الوحيد للتحالف السعودي الأمريكي في السيطرة على عدن والجنوب في مايو 2015م ، ومنذ ذلك الحين لا يمكن الحديث عن تقدم جوهري باستثناء الهجوم على الحديدة في العام 2018م حيث تمكن التحالف من فرض شبه حصار على مدينة الحديدة وقطع الطريق الرابطة بين صنعاء والحديدة ، غير أن ذلك الإنجاز جرى التخلي عنه بصورة مفاجئة بعد وصول المعارك في مارب إلى نقطة باتت تهدد آخر نقاط التحالف ومرتزقته في شمال شرق اليمن .
خلال الأعوام من نهاية 2015م وحتى نهاية العام 2019م انتهجت صنعاء خطة دفاعية في مواجهة نحو 40 جبهة مفتوحة قاتلت في جميعها تمتد بطول وعرض الجغرافيا اليمنية، وأبقت على جبهة الحدود مع السعودية مشتعلة في محاولة لإيقاظ القادة السعوديين من أحلامهم حيث وصلت طلائع القوات اليمنية إلى تخوم مدينة نجران غير أنها لم تدخلها خشية ارتكاب النظام السعودي جرائم بحق السكان الذين يخالفونه العقيدة .
ظلت الصواريخ اليمنية التي كان يجري تطويرها محليا وتعديلها بخبرات يمنية عن نماذج روسيه وكورية تضرب جنوب المملكة بشكل متقطع، غير انه في فبراير 2017م ضرب صاروخ يمني هدفا له في غرب العاصمة السعودية الرياض الأمر الذي عُدّ تطورا في الحرب تجاهله القادة السعوديون ظنا منهم أن قواتهم وحلفاءهم التي كانت تواصل تقدمها البطيء في نهم باتجاه العاصمة صنعاء ستنهي هذا التهديد الخطير قبل تفاقمه .
ومثلهم ارتكب الإماراتيون الخطأ الجسيم اذا تجاهلوا رسالة صاروخية وجهتها صنعاء باستخدام أول صاروخ مجنح ضرب قاعدة الظفرة في أبو ظبي في ديسمبر 2017م عقابا لهم على دورهم في الأحداث الخيانية التي قام بها عميلهم عفاش – يقيم نجله وأفراد أسرته حتى اليوم في أبوظبي ويملكون استثمارات بمليارات الدولارات جرى نهبها من المال العام، ولاحقا ضرب صاروخ آخر محطة براكة النووية – قبل أن تضرب مسيّرات أهدافاً لها في مطاري أبوظبي ودبي .
في فبراير 2020م نفذت قوات صنعاء عملية البنيان المرصوص لتزيح التهديد كليا عن العاصمة صنعاء وتنقل المعركة إلى تخوم مدينة مارب ، وتسيطر في الطريق على الجوف، وسبق هذه العملية الكبيرة التي أطاحت بأكثر من 17 لواء تابع لمرتزقة التحالف عملية أخرى جريئة على الحدود في منطقة كتاف وأطاحت كليا بألوية الفتح التي كانت تمولها الرياض بشكل مباشر ، وأيضاً لم تحسن الرياض قراءة المشهد الجديد ، كما لم تحسن قراءة تطور الترسانة التسليحية لصنعاء والتي أخذت في التنامي وخروج أجيال من الصواريخ الذكية والمتشظية والمجنحة والتي أخذت في الخروج إلى النور تباعا مع كل هدف نوعي يضرب في المملكة .
ومجدداً كابرت المملكة في مواجهة المسيّرات اليمنية التي أخذت هي الأخرى تزداد قوة وفاعلية وانتقلت من خانة الإزعاج إلى القلق الكبير بعد أن ارتفعت قوتها التدميرية ومدياتها ودقة أصابتها للأهداف، ووصل القلق إلى “إسرائيل”.
في العام 2021م واصلت صنعاء قلب الطاولة عسكريا على التحالف في اليمن وأخمدت العديد من الجبهات وقضت على أهم أوراق التحالف في البيضاء منفعة بقوة نحو مارب وتمكنت من الوصل إلى اطراف مدينة مارب من جهة الجنوب الشرقي لتبدو الهزيمة تلوح في الأفق للسعودية التي استنفرت كل قواها لمنع سقوط المدنية عسكريا وسياسيا، فأخذت بالقصف الجوي الهستيري على مدار الساعة، وضغط باتجاه تقديم مبادرات تحتوي على تنازلات تراها مؤلمة لكنها لا تتضمن رفعا للحصار .
ومع بداية العام وجهت صنعاء ضربات صاروخية ومسيرة مؤلمة للإمارات التي تفاجأت بحجم القدرة اليمانية واضطرت للانكفاء وتجميد تدخلها في مارب وانكفاء قواتها عن حريب مارب، مقابل وقف الضربات اليمنية التي حملت شعار الإعصار اليماني، في مواجهة تصعيد الإمارات والذي اتخذ شعار “إعصار الجنوب” بالنظر إلى كون قوات العمالقة غالبة أفرادها ينتمون إلى مناطق جنوبية ويتشكلون من خليط من القاعدة والسلفية المتشددة.
سريعاً أدرك قادة أبوظبي سوء تقديرهم تجاه القدرات اليمنية وخطأ الحسابات التي أعادتهم إلى الميدان اليمني بعد تخفيض مستوى عملياتهم منذ اتفاق السويد نهاية 2018م. غير أن إعصار اليمن اتجه إلى الداخل في شكل عمل توعوي و تعبوي وتحشيدي كبير وغير مسبوق لحسم المعركة مع التحالف في العام الثامن للصمود .
في سبتمبر 2019 م وجهت صنعاء ضربة قاصمة لمنشآت النفط السعودية في بقيق وخريص اعتبرت الأعنف بين الضربات اليمنية التي طالت منشآت اقتصادية وبالأخص نفطية سعودية، توزعت الضربات على امتداد الخارطة السعودية من راس تنوره شرقا على الخليج إلى ينبع غربا على البحر الأحمر، غير أن القيادة السعودية ظلت تكابر وتراهن على الجهود الأمريكية لكسب الحرب وتعويض ما خسرته في الميدان ، وتشديد الحصار الاقتصادي والحرب الاقتصادية بغية إيلام صنعاء وإجبارها على تقديم تنازلات وهو مالم يكن إذ ظلت صنعاء متمسكة بموقفها رفع الحصار وفصل الملف الإنساني عن الملف العسكري .
قبل أيام ومع اطلاق صنعاء لسلسلة هجمات باتجاه أهداف اقتصادية جديدة تدخل لأول مرة قائمة الأهداف اليمنية تحت عنوان “كسر الحصار”، وصف حسين العزي نائب وزير الخارجية الحصار بالترف الذي لا تحتاجه السعودية، في إشارة إلى أن القادة السعوديين يتلذذون برؤية طوابير السيارات تنتظر لأميال عدة لتملئ خزاناتها بالوقود الذي انعكست شحته على كل مناحي الحياة ارتفاعا في الأسعار وتوقفا للعديد من الخدمات .
ووجه مناشدة للمرة الأولى للعقلاء بمنع انزلاق الوضع عقب عملية كسر الحصار الثانية إلى وضع معقد لا يريده الجميع، ولن تقبل صنعاء أن يبقى سيف الحصار مصلتا .
إطلاق صنعاء لعمليات كسر الحصار يوحي بتنامي قدراتها العسكرية باتجاه إجبار السعوديين على فك الحصار وليس تخفيفه، فالأوضاع في العالم عقب الصدام الروسي الأمريكي في أوكرانيا يمثل فرصة ذهبية لصنعاء لكسر قيد الحصار، حيث الغرب يبحث عن نفط وغاز الشرق الأوسط في مسعى للتخلي عن مصادر الطاقة الروسية، وذلك يشكل ضغطا أكبر على السعوديين وحلفائهم الغربيين الذين صموا آذانهم عن المعاناة اليمنية طوال 7 سنوات.
تصاعد أدخنة اللهب الكثيفة والسوداء من منشاة أرامكو جدة وتلك المتصاعدة من أوكرانيا قد فعلت فعلها، يجري الحديث عن طلب سعودي من دولة إقليمية للتوسط لدى صنعاء لوقف الهجمات على أرضيها مقابل استعدادها رفع الحصار وفتح مطار صنعاء وميناء الحديدة، ويبدو أن المبادرة التي أعلن عنها رئيس المجلس السياسي الأعلى مهدي المشاط هي مجرد تخريجة لإنزال السعودي عن الشجرة.
تتحدث مصادر في داخل مرتزقة الرياض أن السعوديين عرضوا نحو مائة مليار دولار على صنعاء مقابل احتفاظ التحالف ببعض النقاط المهمة في داخل الأراضي اليمنية .
صنعاء رفضت العرض واشترطت الخروج النهائي والكامل من الأراضي اليمنية، واعتذارا رسمياً سعودياً عن الحرب، إن أرادت تحويل مبادرة الـ 3 أيام إلى هدنة دائمة.
ثمة مؤشرات تبعث على التفاؤل إذا ما ربط إعلان رئيس اللجنة الوطنية للأسرى عبد القادر المرتضى حصول صفقة تبادل قد تعد الأكبر في حال تنفيذها تضم نحو ألفي أسير من الطرفين، وتمثل ضعف الرقم الذي جرى تبادله في أكتوبر 2021م.
وبالنظر إلى تأكيد السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي في التحضير لشهر رمضان للسعوديين بأنهم سيندمون في في حال فوتوا الفرصة المقدمة لهم من صنعاء للنزول عن شجرة العدوان وفك الحصار، فالكرة في ملعب السعوديين ورعاتهم أصبحت ..
بقي من الهدنة يوم واحد لتظهر النتائج فإما يرتفع دخان أبيض من صنعاء بوصل الأمور إلى نهايات مرضية أو يعاود الدخان الأسود تغطية المدن السعودية ونذهب نحو تصعيد يعلم الله وحده أين تقف مدياته.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com