الصمود حتى النصر

لهذا السبب لم يكشف بوتين على جميع أوراقه القوية للرد على العقوبات حتى الآن؟

مقالات|| الصمود|| عبدالباري عطوان

هل تُطيح الأزمة الأوكرانيّة بعرش الدّولار الأمريكي وتُسَرِّع العُقوبات الغربيّة بالنظام الروسي الصيني المالي “البَديل” الجاهِز؟ ولماذا لم يكشف بوتين على جميع أوراقه القوية للرد على العقوبات حتى الآن؟

 

يعقد وزراء المالية في الاتحاد الأوروبي اجتماعا ظهر غد الأربعاء عبر الفيديو للبحث في العقوبات المالية المفترضة على روسيا، ومن ابرزها ابعادها كليا من استخدام نظام “سويفت” المالي، وفرض عقوبات، او حظر، على صادراتهما النفطية والغازية، ولكن تقارير أولية تفيد ان هذه العقوبات على قسوتها قد تكون نتائجها السلبية اقل مما هو متوقع خاصة على المدى البعيد، لان القيادة الروسية اتخذت إجراءات ردعية تعويضية لتقليص آثارها.

 

نشرح اكثر، ونقول ان تنسيقا مكثفا يجري حاليا بين الصين وروسيا ودول منظمة شنغهاي، والاتحاد الاقتصادي الاوراسي للتخلي بشكل متسارع عن الدولار في التعاملات المالية والتجارية، مضافا الى ذلك تأكيد القيادة الصينية بأنها لن تدعم العقوبات الغربية ضد موسكو، وستظل شريكة قوية لها (لموسكو) في المعاملات التجارية، بل ستعمل على زيادة حجم التبادل التجاري بين البلدين، خاصة في مجالات الطاقة والتكنولوجيا، ومن المعروف ان الصين اكبر مستهلك للطاقة في العالم ويمكن ان تستوعب أسواقها غالبية انتاج روسيا من الغاز والنفط.

 

القيادة الصينية توصلت الى قناعة راسخة بأن بلادها، وليس روسيا فقط، هي المستهدف الأكبر بالعقوبات الامريكية الغربية، لان الصين هي التي تشكل التهديد الاقتصادي الأكبر للغرب، ولهذا ستعمل ليس على عدم عزل روسيا فقط، وانما أيضا من اجل إعطاء هذه العقوبات اثرا عكسيا، ويؤدي الى عزل أمريكا وأوروبا ذاتيا.

 

حتى هذه اللحظة لم تكشف القيادة الروسية اوراقها الأقوى في مواجهة العقوبات الغربية، لكن هناك خطوات أولية أقدمت عليها، وابرزها منع التحويلات المالية من المستثمرين داخل روسيا الى الخارج، واجبار الشركات المصدرة على تحويل 80 بالمئة من دخلها من العملات الأجنبية الى “الروبل” وزيادة أسعار الفائدة من 10 بالمئة الى 20 بالمئة لوقف تراجع قيمته.

 

الصين وروسيا تعمل منذ خمس سنوات تقريبا على إقامة نظام مالي بديل مواز لنظام “سويفت” الأمريكي الغربي، عماده الاعتماد على العملات الوطنية والتخلي بشكل تدريجي عن العملة الامريكية (الدولار)، وحققت تقدما ملحوظا من المتوقع ان يتزايد بفضل العقوبات الامريكية الأوروبية على روسيا، وربما لاحقا على الصين.

 

العملة الوطنية الصينية (اليوان الذهبي) بات الآن العملة المتداولة في المعاملات النفطية والغازية، وانضمت دول عديدة الى النظام البديل الروسي الصيني، مثل ايران والهند وفنزويلا، ودول أخرى في أمريكا الجنوبية وافريقيا.

 

الضغوط الامريكية لم تنجح حتى الآن بإقناع السعودية للخروج من اتفاقها (اوبك بلس) مع روسيا، وزيادة انتاجها النفطي لتخفيض الأسعار لتقليص الاخطار على الاقتصادين الأوروبي والامريكي، والعقوبات الامريكية على روسيا أحدثت نتائج عكسية تماما حيث ارتفع سعر برميل النفط الى 105 دولارات في الأسواق العالمية اليوم الثلاثاء، اما أسعار الغاز فارتفعت حوالي 35 بالمئة وهي ارقام قياسية غير مسبوقة، الامر الذي يصب في مصلحة الخزينة الروسية التي تحتل المرتبة الأولى في صادرات الغاز والنفط.

 

الدولار الأمريكي وهيمنته على اقتصاديات العالم وعملاته الوطنية كوحدة قياس رئيسية الى جانب (اليورو) قد يكون الضحية الاكبر للحرب الأوكرانية، ومعه نظام “سويفت” المالي الأمريكي في التعاملات المالية في المدى المتوسط، وبعض الخبراء يقدرون بأن العملة الامريكية ستفقد عرشها في غضون خمس سنوات ان لم يكن اقل، ولعل ضارة نافعة.. والله اعلم.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com