الصمود حتى النصر

المبعوث الأمريكي إلى اليمن

مقالات |الصمود |محمد عبدالله اللساني

بالتأكيد أن العُرْفَ الأمميَّ في الأمم المتحدة يحتمُّ عليها تعيينَ مبعوثٍ أَو مندوبٍ لها إلى المناطق والدول التي تستدعي الحاجةُ لها بغضِّ النظرِ عن الأسباب والحيثيات التي أَدَّت إلى ضرورة تعيين هكذا مبعوث.

 

غريفيث المندوبُ الأممي “بريطاني الجنسية” المندوب الذي من المفترض حسب القوانين الدولية والإنسانية أن يكون له دورٌ فاعلٌ وبارزٌ في إيجاد صيغة عادلة بخصوص العدوان كطرف محايد وهذا ما تأمله شعوب ودول العالم كحق إنساني وأخلاقي تجاه القضايا الدولية والنزاعات والصراعات ومظلومية الشعوب ولكن تاريخ الأمم المتحدة غني في الحياد تجاه الدول المسيطرة على أروقة الأمم المتحدة والمنظمات التابعة لها وليس في الحياد.

 

بعيدًا عن التاريخ الأممي ونحن اليوم في اليمن نتعرض لعدوان غاشم وظالم انتهك كُـلّ قوانين وأعراف كوكب الأرض وأديان السماء، ليأتيَ دور المندوب الأممي غريفيث على النهج التاريخي للأمم المتحدة والتي أثبتت الوقائع في واقعنا اليوم بعدم حياديته تجاه المِلف اليمني من كُـلّ الجوانب ومنها العسكرية والاقتصادية والصحية والإنسانية عُمُـومًا.

 

وهنا يمكن أن أذكر ما ذكره المبعوث الأممي في إحدى إحاطاته لمجلس الأمن للعام 2018م “أن المهمة الرئيسية للوسيط هو الجمع بين الأطراف لحل الخلافات”.

 

ظاهرياً أتفق مع كونه وسيطاً، ولكن المفارقة العجيبة أنه محايدٌ مع تحالف العدوان أكثر من كونه وسيطاً، كما صرح فأغلب تصريحاته تتواءمُ مع مصالح تحالف العدوان فلا يحق للوسيط “كمحايد” أن يقلق على تحرير محافظة مأرب أَو أية منطقة في اليمن بينما لا يقلق من انتهاكات تحالف العدوان، وهذا يثبت ازدواجيةَ المعايير في التعامل مع الملف اليمني، بالإضافة إلى الكثير من التصريحات والمواقف التي تُعري الأمم المتحدة بشكل فاضح.

 

ولكن ما يهُمُّنا في هذا المقال هو لماذا تعيين مبعوثٍ أمريكيٍّ إلى اليمن؟

 

من خلال قراءة وتحليل الواقع على مستوى المنطقة يتبين أن أمريكا التي تعتبر طرفاً في العدوان على اليمن باعترافها “لوجستياً” رغم أنها حاضرة في الميدان تدريباً وتأهيلاً وتسليحاً وإدارة غرف العمليات الإجرامية لدول العدوان وهي نفسها التي كانت حاضرة في غرف عمليات القوات الجوية اليمنية وغيرها في الحروب الست التي شُنت على محافظة صعدة ظلماً وعدواناً وهي نفسها من كانت تدير الطائرات بدون طيار التي كانت تتحَرّك بكل حريتها؛ بذريعة تنظيم القاعدة.

 

هي نفسها اليوم أمريكا التي تشُن عدواناً أوسعَ وأشملَ لكل اليمن أرضاً وإنساناً مع تحالف دول العدوان والأحزاب والتيارات التابعة لها التي كانت في الحكم، فأمريكا كانت تجعل من السعودية الوصي الشرعي الأكبر على اليمن في حين أن هناك دولاً مختلفة كانت تتبنى وتدعم أغلب الأحزاب والجماعات إلى جانبها ومنها تركيا وقطر والإمارات وكلها تخدم المصالح الاستراتيجية لأمريكا وحلفائها في المنطقة.

 

وبالتأكيد فَـإنَّ كُـلّ أهداف قاطني فنادق الرياض وقطر وتركيا بالإضافة إلى أسيادهم أمريكا وبريطانيا والكيان الصهيوني هي خدمة أجندات هذه الدول وبدون أدنى شك على حساب دماء الشعب اليمني.

 

فعندما شُنت الحرب ضد الشعب اليمني بمباركة قيادات المرتزِقة وتهديد ووعيد وثقة وعنجهية دول التحالف بهزيمة واحتلال اليمن أرضاً وإنساناً، ها نحن في العام السابع من الصمود الأُسطوري لأحرار وأبطال الوطن الثورية لتتلاشى في الآفق آمالهم وأهدافهم؛ بسَببِ الصمود والثبات والدفاع عن الأرض والعرض وسيادة اليمن.

 

لتنعكس خسائر الغزاة في الميدان وهزائمهم إلى صراعات داخل دول التحالف فيما بينها، وبالتالي إلى المرتزِقة باختلاف توجّـهاتهم المرتبطة بأكثر من دولة.

 

اليوم هناك مفاوضاتٌ في مسقط وقبلها في جنيف وقبلها في الكويت، ولكن الإشكالية لدى دول التحالف والمرتزِقة هي عدمُ وجود قرار أَو موقف أَو هدف يستطيعون التفاوُضَ عليه؛ كونهم مسلوبي القرار فالمرتزِقة قرارهم ومسكنهم بيد دول العدوان ومنها السعودية والإمارات وقطر وأمريكا وتركيا كذلك هو حال دول التحالف باختلاف أهدافها وتوجّـهاتها والتي لا تتحَرّك إلَّا من خلال التوجيهات الأمريكية والبريطانية والصهيونية.

 

فهكذا تبعية متعددة الأقطاب أثبتت المفاوضات السابقة واقعياً وفعلياً أنهم مسلوبو القرار تماماً فكان لزاماً على الحكومة الأمريكية ضبط هذا التناقض المهزوم وما يتكبده من خسائر في الميدان ضمن حضيرتها بعد أن شعرت بالقلق من خلال تعيين المبعوث الأمريكي ليندركينغ الذي عمل سابقًا مساعد وزارة الخارجية الأمريكية لشؤون الخليج العربي وبعد ذلك نائب رئيس البعثة الأمريكية في السعودية أي أنه مبعوث خبير بالوضع العربي والسعودي بشكل خاص بل ومقرب من القرار السعودي.

 

إلَّا أن تعيينه دليل على القلق الأمريكي الكبير تجاه اليمن وإدراك الإدارة الأمريكية أنها في مأزق كبير؛ بسَببِ تطور قدرات اليمن الدفاعية وتحرير مناطق شاسعة وبسبب عدم ثقتها في أدواتها المتمثلة بتحالف العدوان والمرتزِقة، يمكن الجزم أن تعيين هكذا مبعوث هو محاولة للَمِّ شمل حلفائها وتوحيد توجّـهاتهم متعددة العمالة ضمن الاستراتيجية الأمريكية في المفاوضات لكسب وأخذ ما يمكن أخذُه.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com