الصمود حتى النصر

المحاضرة الرمضانية الثالثة للسيد عبدالملك بدرالدين الحوثي 1441هـ

الصمود

أُعُـوْذُ بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ

بِـسْـــمِ اللهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ

الحمدُ لله رَبِّ العالمين، وأَشهَـدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ الملكُ الحقُّ المُبين، وأشهَدُ أنَّ سيدَنا مُحَمَّــداً عبدُهُ ورَسُــوْلُه خاتمُ النبيين.

اللّهم صَلِّ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، وبارِكْ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، كما صَلَّيْتَ وبارَكْتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ إنك حميدٌ مجيد، وارضَ اللهم برضاك عن أصحابه الأخيار المنتجبين، وعن سائر عبادك الصالحين.

أيُّها الإخوة والأخوات:

السَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛

وتقبَّل الله منا ومنكم الصيام والقيام وصالح الأعمال.

اللهم اهدنا وتقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.

نواصل الحديث في سياق الكلام عن يوم القيامة، وعن الحساب وبعد ذلك الجزاء على ضوء ما ورد في بعضٍ من الآيات المباركة في القرآن الكريم.

وسبق التأكيد عن الأهمية الكبيرة للتذكر ليوم القيامة؛ لأهمية ذلك على مستوى الحذر من المعاصي، ومما يسبب سخط الله، ومما يوقع الإنسان في العذاب، فتتحقق للإنسان الوقاية من عذاب الله، ولأهمية ذلك أيضاً في توفر الدافع القوي للعمل الصالح، للعمل بما يرضي الله “سبحانه وتعالى”، للعمل بما أمرنا الله به “جلَّ شأنه”، للإستجابة لله “سبحانه وتعالى” فيما وجَّهنا إليه، ورغَّبنا فيه، غفلة الإنسان عن يوم القيامة تؤثِّر على الإنسان؛ فيتجرأ على المعاصي، وتؤثِّر عليه فيتكاسل ويتهرب من الأعمال التي بها فوزه وفيها نجاته.

يوم القيامة وما ذكره الله عنه في القرآن الكريم هو حقيقةٌ لا ريب فيه، وتلك التفاصيل التي ذكرها الله في كتابه الكريم هي حقائق لا ريب فيها، وهو آتٍ بلا شك، ولذلك فإنَّ كل الذين يتجاهلون هذه الحقيقة، ويؤمِّنون أنفسهم، ويستهترون في هذه الحياة، ولا يستشعرون المسؤولية تجاه أنفسهم وتجاه مستقبلهم الأبدي والدائم، وحتى كل الذين لا يصدِّقون بذلك نهائياً، الكل قد سمعوا بيوم القيامة، يوم القيامة يومٌ يمر على مسامع الناس جميعاً، الذي لا يصدِّق، والمستهتر، والمهمل، والمتجاهل، فلا الإنكار والجحود يمكن أن يفيد الإنسان، وأن يعتذر يوم القيامة بأنه لم يكن من المصدِّقين بهذا اليوم؛ وبالتالي ليس عليه أي تبعات ولا أي مسؤولية، هذا لا يفيد الإنسان شيئاً؛ إنما هو وزرٌ عظيم، وخسارةٌ رهيبةٌ وفادحة، ولا التجاهل والعمل على أن يواصل الإنسان مشوار حياته وفق هوى النفس، وبعيداً عن الحسابات في عمله بحساب الخير، وبحساب المسؤولية، وباستشعار أنه ملاقٍ للحساب والجزاء، لا التجاهل أيضاً يفيد الإنسان، ولا ينفعه، ولا يدفع عنه شيئاً، إنما يحمله وزراً عظيماً.

الإستشعار لقرب لقاء الله “سبحانه وتعالى”، وأن تحسب حساب يوم القيامة، وحساب ما ستلاقيه من حسابٍ على أعمالك ومن جزاءٍ عليها، هذا هو الذي يفيد، ولذلك ورد في القرآن الكريم الحديث عن كثيرٍ من التفاصيل؛ حتى ندرك هنا في الدنيا أننا سنلاقي تلك التفاصيل، وأنَّ الإنسان المفرِّط والعاصي والمستهتر سيعيش تلك التفاصيل السيئة والخطيرة هو شخصياً، والإنسان الذي حسب حساب يوم القيامة، واستشعر الجزاء، وأناب إلى الله، ورجع إلى الله، وتاب من خطيئاته، وسعى للخروج دائماً من زلَّاته، وبادر إلى الاستجابة لله “سبحانه وتعالى” فيما دعا إليه، وفيما أمر به، سيعيش كل تلك التفاصيل والأجواء السعيدة والعظيمة والمشرِّفة، وسيعيش لحظات الفوز في ساحة القيامة، ثم ينتقل إلى الفوز العظيم والأبدي والدائم في الجنة.

كل تلك التفاصيل عليك أن تتذكر أنت شخصياً أنك المعني، أنك في حال تفريطك وتجاهلك وغفلتك، قد تكون أنت شخصياً ذلك الذي يتحسر، ذلك الذي يبكي، ذلك الذي يعيش كل تلك الأقوال، وكل تلك المواقف التي هي مواقف خسارة، وحسرة، وعذاب، وشقاء، وذلك الذي ينقل شخصياً إلى جهنم، فيرمى فيها ليبقى فيها للعذاب الشديد والأليم والعياذ بالله.

بينما إذا كنت متنبِّهاً متيقظاً واتقيت الله، كنت في عداد المتقين، الموعودين من الله بالأمن يوم القيامة، الموعودين من الله بالفوز يوم القيامة، الموعودين بالجنة، الذين سيمنُّ الله عليهم بكل ذلك التكريم، وبكل ذلك النعيم، فالمسألة مهمة.

عندما يسمع الإنسان عن تفاصيل كهذه، لا يتصور وكأنها تفاصيل تحكي عن آخرين. أنت شخصياً، أنت احسب حساب نفسك، أنت المعني، وأنت من سيتجه حتماً: إمَّا إلى ذلك المصير إذا أنت سرت في طريقه، وإمَّا إلى ذلك المصير إن أنت سرت في طريقه، فالمعني هو أنت بالتحديد، وليس شخصاً آخر، كل شخصٍ هو معنيٌ، وهذا ما يجب أن نتنبه له وأن نتذكره.

 في يوم القيامة لا يمكن للإنسان الامتناع عن الحضور، في الدنيا قد كان يُدعى إلى أعمالٍ صالحة فيمتنع، قد كان يُدعى إلى الجهاد في سبيل الله وإلى النفير في سبيل الله فيمتنع، قد كان يُدعى إلى حضور مجالس الهداية وإلى سماع الهدى فيمتنع، قد كان يُدعى إلى أشياء كثيرة فيمتنع، قد كان في بعض الأحيان إذا ارتكب ذنوباً معينة، أو مخالفات معينة، أو مظالم معينة، يحاول أن يمتنع وأن يدفع عن نفسه الإجراءات العقابية من خلال الاستناد إلى قبيلته، أو إلى حزبه، أو إلى سلطته… أو إلى أي طرفٍ يمكن أن يحتمي به، هناك لا يمكن، لا يمكن أن تمتنع وتستند إلى أي أحد، ولا إلى قوتك، ولا إلى إمكاناتك.

لا يمكنك أيضاً في يوم القيامة التهرب والتملص، في الدنيا قد تتملص وتتهرب من أعمال كثيرة، قد تغلق التلفون؛ حتى لا تضطر وتحرج بالجواب وأنت تدعى إلى عملٍ صالح، قد تحاول أن تختفي في منزلك ولا تتجاوب لعملٍ صالح تخرج فيه، أو تتحرك فيه، وتوصي أقرباءك أن يجيبوا بأنك لست في المنزل، قد تحاول أن تتهرب بأساليب كثيرة للتهرب، في حال المظالم، أو المعاصي، أو المخالفات، قد تحاول أيضاً أن تتهرب وأن تختفي؛ حتى لا تنالك العقوبة، في يوم القيامة لا يمكنك أن تتهرب أبداً، تريد أن تمتنع؟ لا يمكن، {وَإِنْ كُلٌّ} يقول الله “سبحانه وتعالى” في كتابه الكريم: {وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ}[يس: الآية32]، الكل، كلهم سيحضرون، ولا أحد يستطيع أن يمتنع، ولا أحد يستطيع أن يتهرب، ولا نسيان لأحدٍ من جانب الله “سبحانه وتعالى”، ولا انشغال عن أحد، لا انشغال عن أحد بأحد أياً كان، {وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا(47) وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ}[الكهف: من الآيتين47-48]، الكل سيأتي بهم الله في ذلك اليوم، ولا يمكن لأحدٍ أن يتهرب، ولا أن يتخفى أبداً.

يقول الله “جلَّ شأنه” عن حالة البعث، والإنسان يبعث يوم القيامة بعد أن كان ميتاً، يبعث إلى ساحة الحساب، ويجمع البشر بكلهم في ذلك اليوم الموعود من أجل أن تبدأ عملية الحساب، وبعدها مباشرةً عملية الجزاء، يقول الله “جلَّ شأنه”: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ}[الزمر: الآية68]، لا يمكنك أن ترفض القيام معهم، وأن تحاول أن تغمض عينيك وتتجاهل ما يجري وما يدور، لا، الموقف بحد ذاته وكل الإجراءات والترتيبات فيه لا يتهيأ فيها ذلك.

{يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ}، يبعث الإنسان بعد البعث مباشرةً وعودة الحياة تبدأ عملية الحشر والتجميع في ساحة المحشر وعملية التنظيم، {يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ}[طه: 108]، (الدَّاعِيَ): المسؤول عن تنظيمهم، الذي يدعوهم ويشرف على عملية ترتيبات وإجراءات يوم الحساب، وتنظيم الجمع من المخلوقات، من البشر كذلك في ساحة المحشر، {يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ} الكل يتَّبعونه، والكل يلتزمون بتلك التعليمات التي يقدِّمها في عملية تنظيمهم، لا أحد يمتنع منهم، ولا أحد يحاول أن يكون فوضوياً، لا مجال للفوضى، {لَا عِوَجَ لَهُ} لا أحد يحاول أن يعوج، أو أن يحاول أن يخالف تلك التوجيهات أبداً.

في الدنيا دعوة الله لك إلى أعمال كثيرة، أعمال فيها نجاتك كم تجاهلتها، تسمع داعي الحق يدعوك بآيات الله، وقد تتجاهل، وقد تعرض، وقد تعوج في كثيرٍ من الأمور، لا تسير وفق توجيهات الله ووفق تعليمات الله؛ أمَّا هناك فلا مجال للاعوجاج أبداً، إلَّا التزام حرفي، التزام بدقة، سير وفق التعليمات دون أي مخالفة، {لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا}[طه: من الآية108]، الكل في خشوع، الكل في خضوعٍ تام لله “سبحانه وتعالى”، الكل في حالةٍ من الصمت، لا ارتفاع للأصوات، لا، الحالة حالة خضوع كامل، وكل هذا من أجل ماذا؟ هل من أجل اجتماع لمناسبة معينة، اجتماع عادي، أو احتفال، أو مهرجان، لا، هو من أجل العمل، {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا} الكل يبعثهم الله “سبحانه وتعالى”، {فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}[المجادلة: الآية6]، أحصاه الله في الوقت الذي نسي الإنسان الكثير والكثير من أعماله، ينسى الإنسان على مستوى الأسبوع أحياناً، أو على مستوى الشهر، أو على مستوى العام يكون قد نسي الكثير من أعماله، ومن تصرفاته، ومن أقواله؛ أمَّا الله فقد أحصى عليك كلما عملت من خير ولو بمثقال الذرة، أحصى كل ما عملته من الشر ولو بمثقال الذرة، الكل محصيٌ لا يغيب شيء.

بعد عملية الجمع والتنظيم والترتيب تبدأ عملية الحساب، وأول إجراء من إجراءات عملية الحساب نفسها هو: توزيع الصحف (الكتب)، هي نفسها، الصحف هي نفس الكتب، كل إنسان له كتاب لأعماله، وقد يكون هذا الكتاب كتاباً مرئياً، أشبه ما نرى في الفيديو من أشياء توثَّق، أعمال أو تصرفات توثَّق بالفيديو فيرى الإنسان صوتاً وصورة.

كتاب الإنسان يوم القيامة كما قال الله عنه: {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا (13) اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا}[الإسراء: 13-14]، الإنسان في هذه الدنيا في كل ما كان يعمل، وفي كل ما كان يقول، هو الذي سجّل على نفسه كل تلك الأعمال، تصرفاتك وأعمالك أنت الذي سطرتها بحيث كانت توثق عليك، الله أحاطنا في هذه الحياة بالحَفَظَة الذين يكتبون كلما نقول وكلما نعمل، ونحن كنا نحن من نقدِّم كل ذلك الذي وثقوه، هم كانوا يقومون بعملية توثيق فقط؛ أمَّا نحن فأعمالنا هي التي تحدد ذلك المصير بكله، وهي التي توثقت فكانت: إمَّا خيراً لنا، أو شراً علينا.

 

الله “جلَّ شأنه” قال في كتابه الكريم: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ}[الانفطار: 10-12]، رقابةٌ مستمرة على الدوام، لا تنقطع أبداً على مدى الأربعة وعشرين ساعة، في كل لحظةٍ من تلك اللحظات لا يغيبون عنك، ولا يغفلون عنك، لا يمكن أن يناموا فلا يدرون ولا يعرفون ماذا فعلت، ولا يسجِّلون عليك عملك، ولا يمكن أن يغفلوا أو أن ينشغلوا بأشياء أخرى، أو أن ينهمكوا في الحديث فيما بينهم فلا يدركون ما تقول، أبداً، رقابةٌ مستمرةٌ عليك وبإدراك، الله “جلَّ شأنه” زوَّدهم بكل ما يتمكنون به من القيام بمهمتهم على أكمل وجه، وجعلهم هم فيما خلقهم وفيما مكَّنهم بالمستوى الذي يتمكنون فيه من انجاز هذه المهمة بدقة، فلا يفوتهم شيء، ولا يغيب عنهم شيءٌ من أقوالك ولا من أعمالك.

الله “جلَّ شأنه” قال في كتابه الكريم: {إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (17) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}[ق: 17-18]، ما أكثر ما ينسى الإنسان هذه الرقابة، الكثير من الناس في كثيرٍ من أحوالهم ينسون هذه الرقابة، ينسون هذا الحضور لملائكة الله الذين يسجِّلون كلما تقول، وكلما تعمل، وكل تصرفاتك.

البعض من الناس إذا كان في خلوةٍ لوحده منفرداً، يشعر وكأنه لا رقيب عليه، حينها يتجرأ على المعاصي، قد يكون الإنسان في غرفته الشخصية يعمل على مواقع التواصل الاجتماعي، ويتخيل ألَّا أحد يعرف بتصرفاته تلك، ولا يطَّلع على ما يكتب وعلى ما يدخل فيه من أشياء سيئة، من معاصي تغضب الله “سبحانه وتعالى”، من انهماك فيما يجره إلى الفساد، من اتِّباعٍ لخطوات الشيطان؛ لأنه يتخيل نفسه وحيداً كان جريئاً، جريئاً يكتب أي عبارات مهما كانت سيئة، مهما كانت معصية، يقول أي شيءٍ مهما كان باطلاً أو كان فاسداً، هذه الحالة من الجرأة؛ لأنه رأى نفسه وحيداً وظن ألَّا أحد يراه، ظن أن لم يره أحد، وبذلك كان جريئاً.

في كثيرٍ من أحوال الإنسان وهو يطمئن من المساءلة والحساب؛ إمَّا لأنه في موقع سلطة أو وجاهة اجتماعية، أو لأنه مشرف، أو لأنه شخصية معينة، يطمئن أن لا مساءلة، يغفل أنه سيسائل، وأنَّ عمله محصيٌ عليه، في كثيرٍ من الحالات إذا اطمأن الإنسان من أن هناك من سيشهد عليه، أو سيشي به، أو سيخبر عنه، إذا اطمأن من ذلك يتجرأ، كل هذه الحالات من حالات الغفلة، غفل الإنسان فيها عن أهم من هو رقيبٌ عليه وهو الله “سبحانه وتعالى”، وبرقابة الله “سبحانه وتعالى” المباشرة التي تصل إلى ما يوسوس به الإنسان لنفسه، رقابةٌ من الله إضافية هي: أولئك الحفظة الكرام الكاتبون، الذين يكتبون علينا ما سنعمل وما نقول.

{إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ} ملازمان للإنسان لا يفارقانه، لا يتركانه في حالة يذهب لوحده وكانا غائبين، كانا في نزهة، أو ذهبا لشغلٍ آخر، أو ذهبا لتناول وجبة الطعام، أو غفلا بالنوم، لا يوجد ولا لحظة واحدة من حالات الغفلة عنك، وعمَّا تعمل، وعمَّا تقول؛ ولذلك علينا أن نستشعر ذلك، في يوم القيامة من لم يكن يستشعر ذلك، ولا يتنبه له في هذه الدنيا سيتفاجأ، سيتفاجأ عندما يرى هذه الصحف وهذه الكتب توزع ويأتيه كتابه.

يقول الله “سبحانه وتعالى” في كتابه الكريم: {وَوُضِعَ الْكِتَابُ} في المحشر، {وَوُضِعَ الْكِتَابُ} بدأت عملية التجهيز بدأً للتمهيد لعملية التوزيع، {فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ}، بعد أن وزِّع عليهم، {فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا}[الكهف: الآية49]، وجدوا ما عملوا، كل صغيرةٍ وكل كبيرةٍ يحصيها كتابك، كل صغيرةٍ وكبيرةٍ من أعمالك يحصيها، كم سيجتمع من يوم أن بلغت مرحلة التكليف الشرعي، إلى آخر لحظةٍ من حياتك، كل هذه المرحلة من عمرك: من بلوغك مرحلة التكليف، إلى آخر لحظة من حياتك، أتى الموت وقد جُهِّز هذا الملف، وأُعِد هذا الكتاب وفيه توثيقٌ تام، أرشيفٌ لا يغيب عنه شيء أبداً، أمر هائل جداً ورهيب.

 

يقول الله “جلَّ شأنه” عن عملية التوزيع التي ستكون هي بنفسها تحمل المؤشرات على طبيعة مضمون هذا الكتاب، الإنسان إمَّا أن يؤتى كتابه في يوم القيامة بيمينه وبطريقةٍ فيها تكريم، طريقة لائقة، يأتي إليه الملك من ملائكة الله ويسلمه، يأتي إليه من أمامه يسلمه هذا الكتاب، فيأخذه بيمينه؛ وإمَّا أن يأتي إليه الملك من ملائكة الله من خلفه، ويتناول الكتاب بشماله من وراء ظهره يأخذه، وهي مؤشرٌ سلبيٌ على أن مضمون هذا الكتاب هو أعمال سيئة، وهذه الحالة لا يمكن فيها الاشتباه ولا المغالطة، لا يمكن أن تغالط يومئذٍ، أنت إجبارياً ستمد يدك اليسرى لتأخذ الكتاب من وراء ظهرك إذا كانت صحيفة أعمالك سيئة، إذا كان مضمون كتابك سيئاً سيأتي بهذه الطريقة، ولا تستطيع أن تمتنع، وأن تمد يدك اليمين، وتقول: [لا، جي من قدام وناولني الكتاب وأنا سآخذه بيميني]. لا يمكنك المغالطة أبداً.

الكتب نفسها لا يمكن أن يحصل فيها التباس أو خطأ، فتقول: [حصل اشتباه، اشتباه في الاسم، هذا ليس كتابي، كان اسمي مشتبهاً مع اسم فلان، فتصورتم أنه كتابي وجئتم بكتابه إليّ]، في الدنيا قد يحصل أخطاء في جواز أو في أي شيء، وثيقة أو في أي شيء، هناك لا مجال للخطأ، كل الأمور تجري بدقةٍ تامة، وبشكلٍ صحيح، وكل الأمور مفصولة بشكلٍ دقيق وبشكلٍ صحيحٍ لا التباس فيها أبداً؛ حينها هذه العملية نفسها فيها المؤشرات الواضحة.

ولذلك يقول الله “سبحانه وتعالى” في كتابه الكريم: {فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا}[الإسراء: الآية71]، يُقبل على كتابه عندما يأخذه باليمين براحة نفسٍ وبال، وباطمئنان في مشاعره، قلبه مطمئن، ونفسه مطمئنة؛ لأن عملية تناوله باليمين كانت بنفسها بشارة، استبشر بها، والبشارات تبدأ من بعد عملية البعث مباشرة للإنسان الفائز المؤمن المتقي، يقرأ وينهمك في قراءة كتابه، يرى تلك الأعمال الصالحة، تلك الأعمال العظيمة، تلك الأعمال التي استجاب لله فيها يوم تهرَّب منها الكثير من الناس، يوم جهل الكثير من الناس بقدرها وبقيمتها، يرى الجهاد في سبيل الله، يرى الإنفاق في سبيل الله، يرى أعمال الطاعات والبر التي انطلق فيها واستجاب لله فيها، ويرى ما تمثِّله من أهمية، يرى مواقفه المشرِّفة التي بها بياض وجهه يومئذٍ، يستبشر ويرتاح.

{فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ}[الحاقة: الآية19]، يقول للآخرين أيضاً، يصل به حد الاستبشار أنه ليس فقط يقبل ويشاهد تلك الأعمال التي أصبحت ذكريات عظيمة، ويرى فيها أعمال فوز ونجاة، بل حتى يتجه إلى الآخرين، (هَاؤُمُ): ها لكم، (هَاؤُمُ) تساوي مفردة (ها لكم)، تفضلوا شوفوا كتابي، {هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ}، ليس فيه فضائح، بل يرى فيه الأعمال الطيبة، الأعمال الزاكية، الأعمال الخيِّرة، الأعمال العظيمة، الأعمال المشرِّفة، المواقف المشرِّفة، وقد وثِّقت بأجمل توثيق، وبأرقى توثيق، لن تطلع الصورة مشوش، أو يطلع الإخراج الفني غير واضح، كل شيء واضح جداً، وكل شيء موجود.

{هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ (19) إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ}[الحاقة: 19-20]، كان يستشعر الحساب وهو في الدنيا، وهذا ما أفاد، تذكَّر أهمية هذه المسألة حينئذٍ، لاحظوا الأشياء المهمة الإنسان يتذكرها في اللحظات المهمة أيضاً؛ لأنه كان يستشعر في الدنيا، يعيش هذا الشعور وهذا الإحساس: أنه سيلقى الحساب، وأنَّ عليه أن ينتبه، وأنَّ عليه أن يستعد، لا يعيش حالة الغفلة وحالة الجرأة التي يعيشها الآخرون من الغافلين، الذين يعيشون حالة الغفلة تماماً، فينهمكون بكل جرأة في المعاصي، حتى لو كان لوحده هو يستشعر أنَّ عليه رقابة، أنه في واقع الحال ليس لوحده، أنَّ رقابة الله حاضرة، وأنَّ كل شيءٍ يوثَّق، وأنه سيحاسب وسيلقى هذا الحساب؛ ولذلك هو منتبه.

 

{إِنِّي ظَنَنْتُ}، يعني: كنت أستشعر أنني سألقى الحساب، هذا هو معنى (ظَنَنْتُ): الإستشعار الوجداني والنفسي للحساب، وأنه سيلقى الحساب، {أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ}[الحاقة: من الآية20]، وهذا دفعني إلى الأعمال الصالحة، فماذا كانت النتيجة؟ {فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (21) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (22) قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ (23) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ}[الحاقة: 20-24]، نتيجة فوز، نتيجة حياة هنيئة طيبة، عيشة راضية.

الكثير من الناس في هذه الدنيا كان يريد عيشةً راضية، فعل الكثير من المعاصي، ارتكب الكثير من المحرمات، دخل في المواقف الباطلة وهو يلهث وراء العيشة الراضية، فيخسر للأبد.

{وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ (25) وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ (26) يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ}[الحاقة: 25-27]، كان ذلك مؤشراً سيئاً، فهو عندما أخذ كتابه بشماله بدأ بالتحسر، والألم، والصدمة النفسية، والقلق الشديد، والاضطراب الرهيب، والانزعاج النفسي، أدرك خطورة الأمر، أدرك ماذا يعني ذلك، وأدرك أنه هالكٌ وخائبٌ وخاسر، عندما يتصفح كتابه وفيه كل الأعمال السيئة التي لم يتب إلى الله منها، عرض الله عليه التوبة فلم يتب وسوَّف، سوَّف واتَّبع هوى النفس، يرى الأعمال التي تقاعس عنها، والمسؤوليات التي تهرَّب منها، يرى المواقف التي كان عليه أن يقفها فلم يقفها، يدرك سوء آثار أعماله، وما ترتب على ذلك من نتائج وخيمة، حالة مفجعة.

عندما يتحدث القرآن تذكَّر نفسك، قد تكون أنت شخصياً هذا الذي يؤتى كتابه بشماله من وراء ظهره، قد تكون أنت شخصياً الذي تعيش هذه اللحظة المفجعة، هذا الإضطراب النفسي الهائل، هذه الحسرة الهائلة والرهيبة جداً، حالة مفجعة جداً، قد تكون أنت شخصياً من يعيشها، تتمنى أنك لم تؤتَ كتابك، الآخر ارتاح، واحتفظ بكتابه، وحاول حتى أن يطلع الآخرين، وكان مستبشراً مبتهجاً مسروراً، وأنت في تلك اللحظة كنت في حالةٍ من الخوف واليأس، وكنت في حالةٍ من الحسرة والندم الشديد جداً، والعذاب النفسي، فتتمنى أنك لم تؤتَ ذلك الكتاب.

حتى تلك الأعمال التي كنت في الدنيا تستهتر بها، وحتى ذلك التقصير الذي كنت في الدنيا تعتبره شيئاً بسيطاً، تراه أمراً شنيعاً للغاية، تندهش حتى أنت من سوء أفعالك؛ لأنك في الدنيا قد تكون مستهتراً ومتهاوناً، لا ترى الأمور بحقيقتها، لا تدرك خطورة الأعمال السيئة، لا تدرك ولا تعي ولا تستشعر قبحها وشناعتها، وسوءها وسوء آثارها وما يترتب عليها.

الكثير من الناس يتنصَّلون عن أعمالٍ عظيمة، ومسؤولياتٍ مهمة، يترتب على ذلك مساوئ كبيرة، مظالم كبيرة، أخطار كبيرة، من يتنصَّلون عن الجهاد في سبيل الله، وعن العمل في سبيل الله، وعن الإنفاق في سبيل الله، ليست حدود معاصيهم في ذلك، وليس حد تقصيرهم في ذلك يقف عن أنهم فرَّطوا في مسؤوليةٍ، أو تركوا واجباً؛ وإنما أكثر من ذلك: كل ما يترتب على ذلك من آثار، الآثار أخطر من العمل، آثار العمل أخطر من نفس الفعل، آثاره السيئة جداً.

الإنسان يرى شناعة ما فعل، ويرى قبيح ما تصرَّف به، ويرى سوء آثار أعماله، فيدرك أنها شنيعة جداً، فيتمنى أنه لم يؤتَ كتابه، ولم يطَّلع عليه، ولم يرَ ما فيه، {فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ (25) وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ}؛ لأنه يدرك ماذا بعد ذلك، بعد ذلك: ملايين السنين في جهنم، بعد ذلك: خالدين فيها أبداً، بعد ذلك: نيران جهنم والعياذ بالله، بعد ذلك: سيأتي {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ}[الحاقة: الآية30].

 

{يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ}، ليتني لم أبعث، ليتني بقيت ميتاً، ليتني لم أخلق من جديد، لم أبعث من جديد، لم أحيَ من جديد، {مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ}[الحاقة: الآية28]، الكثير من الناس وهم يسعون وراء المال كم عملوا من أعمال سيئة، تاجر أو حتى غير تاجر، من يسعى لكسب المال سواءً في مستوى تاجر أو في غير مستوى تاجر، كم غش، كم حاول أن يكسب المال من غير حِلِّه، كم تحايل، كم ارتكب من المعاصي، الذي وقف موقف الباطل من أجل أن يحصل على المال، الذي أيضاً وقف في صف الباطل ودخل في الضلال من أجل أن يحصل على المال، الذي تنصَّل عن موقف الحق، ولم يستجب لله؛ لأنه كان يريد أولاً مقابل ذلك مال وإمكانيات مادية، في مقابل أن يستجيب لله كان عنده شروط، كم من الأشياء التي كان الدافع المالي والتوجه المالي فيها هو سبب المعصية والمخالفة، أو سبب التقصير وعدم الاستجابة لله “سبحانه وتعالى”، حينها الإنسان يندم.

{هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ}[الحاقة: الآية29]، كم من الناس عصى الله؛ لأنه أصبح في موقع السلطة فطغى وتجبر، لأنه أصبح في موقع السلطة فلم يعد يتقبل النصح ولا التذكير، لأنه أصبح في موقع السلطة فشعر بالقوة، وحينها لم يبالِ ولم يحسب حساب أعماله؛ لأنهم عوَّدوه أن يقولوا له وهو في موقع السلطة أنه صاحب الصلاحيات، فظن بأنَّ الصلاحيات هذه تتيح له أن يعمل أي شيءٍ في باله، حتى لو كان معصية، لأنه في موقع السلطة فشعر بالغرور والكبر، وشعر أيضاً بحالة العجب بالنفس، اطمأن إلى موقعه فتجرأ على معصية الله، أو تجرأ على التقصير فيما وجَّه الله “سبحانه وتعالى” إليه.

والبعض لأنه يتبع صاحب سلطة، ولأنه يعتمد ويستند في مواقفه وفيما يواجهه من مخاطر وتحديات على أعماله إلى من هو صاحب سلطة، فمن يسعى وراء السلطة، ومن يسعى وراء المال، حتى وراء الرتبة، حتى وراء أن يصبح في موقعٍ بسيط من المواقع ويعصي من أجل ذلك، أو يقصِّر فيما هو طاعةٌ لله “سبحانه وتعالى”، ورضا لله، وضمن توجيهات الله من أجل ذلك سيندم وسيتحسر، والكثير من الناس كان هذا أو ذاك سبب هلاكهم في هذه الدنيا.

بعد ذلك كله: {خُذُوهُ}[الحاقة: من الآية30]، الأمر ممن؟ ما بعد عملية الحساب سواءً على المستوى الفردي، مثل هذه الحالة الإنسان يلقى الحساب على المستوى الشخصي، الأعمال في إطارك الشخصي، وفي نطاقك الشخصي، ما عملته أنت، أو الحساب على المستوى الجماعي، والإنسان كان ضمن أمةٍ معينةٍ من الأمم، ضمن قبيلته، أو ضمن حزبه، أو ضمن قومه، أو ضمن مذهبه، أو ضمن الإطار الذي كان ينتمي إليه ويتحرك في هذه الحياة ضمنه.

الحساب الجماعي كذلك لا بدَّ منه، الله “سبحانه وتعالى” قال في كتابه الكريم: {يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ}[الإسراء: من الآية71]، فيأتون كأمة، كجماعة، كأناس، للحساب الجماعي، والفصل حتى في القضايا الجماعية، والاختلافات الجماعية، والنزعات الجماعية.

يقول الله “سبحانه وتعالى” في كتابه الكريم: {وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ}[الزمر: الآية69]، يأتي القضاء بين العباد في كل نزاعاتهم، ومظالمهم، واختلافاتهم، ومشاكلهم، حتى بين الإثنين، بين الشخصين، بين شخصٍ وآخر، أو بين رجلٍ وامرأة… أو أي مستوى.

من كان يظلم زوجته في هذه الدنيا ويتكبر عليها، يوم القيامة يأتي للفصل بينه وبينها، من كان يظلم ابنه أو قريبه، من كان يظلم في أي مستوى من الظلم، الخلافات والنزاعات والمظالم في كل مستوياتها مما بين الإثنين، إلى المستوى الجماعي، إلى المستويات الكبرى، يأتي فيها الفصل من الله “سبحانه وتعالى”، ويجيء الله بالنبيين والشهداء؛ للشهادة في هذه القضايا الجماعية، شهادتهم هي في القضايا الجماعية، ويقضي الله بين عباده بالحق، وهو الذي كان الشاهد على أعمالهم، وعلى كل تصرفاتهم، وهو “جلَّ شأنه” القائم بالقسط، وهو الحق، ومنه الحق، والعالم بالحق، {وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ}، ليس هناك أي اشتباهات، ولا تحيُّلات… ولا أي وسائل أبداً.

بعد اكتمال عملية الحساب يدرك الإنسان خطورة ما هو فيه إن كان من الهالكين، ومن الخاسرين، ومن الخائبين، تصبح حالة خطيرة جداً.

نكتفي بهذا المقدار…

ونستكمل- إن شاء الله- في المحاضرة القادمة.

أسأل الله “سبحانه وتعالى” أن يوفِّقنا وإيَّاكم لما يرضيه عنا، وأن يرحم شهداءنا الأبرار، وأن يشفي جرحانا، أن يفرِّج عن أسرانا، وأن ينصرنا بنصره، إنه سميع الدعاء.

والسَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com